في مشهد سياسي يثير الاستغراب والأسى معًا، يخرج علينا رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بطلبٍ رسمي من التحالف العربي للتدخل من أجل حماية وتأمين المواطنين في محافظتي المهرة وحضرموت، وهما محافظتان محررتان تنعمان بالأمن والاستقرار، ولم تشهدا حالة حرب أو فوضى تبرر هذا التوجه المثير للتساؤل.
السؤال المشروع الذي يفرض نفسه بقوة هو:
لماذا لم يطلب الرئيس العليمي تدخلًا جادًا لتحرير ما تبقى من الأرض اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثي؟
ولماذا لم تُوجَّه الجهود نحو تأمين المدن التي تعيش تحت القصف والانتهاكات اليومية، حيث تُنتهك البيوت وتُسلب كرامة المواطنين في مناطق الصراع الحقيقي؟
إن ما يحدث لا يمكن وصفه إلا بأنه خلل سياسي واضح، ومحاولة لنقل الصراع إلى مناطق مستقرة، وخلط للأولويات، وخلق توترات في ساحات آمنة، بدلًا من مواجهة جوهر الأزمة اليمنية ومصدر الخطر الفعلي.
إن توجيه بوصلة الاهتمام نحو حضرموت والمهرة، وهما تمثلان عامل استقرار وأهمية استراتيجية، يفتح باب التساؤلات حول جدوى هذه الخيارات السياسية وتوقيتها، خصوصًا في ظل الحاجة الملحة لتركيز الجهود على إنهاء التمرد واستعادة الدولة في المناطق المنكوبة بالحرب.
والمفارقة اللافتة، أنه بعد إبعاد بعض التشكيلات العسكرية اليمنية من مواقع محددة، ظهرت للعلن ممارسات خطيرة كانت مخفية عن الرأي العام، شملت أنشطة غير قانونية وملفات فساد وتهريب، جرت تحت غطاء مؤسسات رسمية. هذه الوقائع لا تُحمّل المسؤولية لأبناء حضرموت، بل تكشف طبيعة القوى التي استغلت مواقعها العسكرية للإضرار بالأمن والاستقرار.
إن استدعاء التحالف إلى محافظات آمنة، مقابل غياب المعالجات الجذرية في مناطق المواجهة الحقيقية، يعكس عجزًا سياسيًا وفشلًا إداريًا في إدارة المعركة الوطنية، ويؤكد اتساع الفجوة بين القرار السياسي ومعاناة المواطنين اليومية.
حضرموت والمهرة لا تحتاجان إلى عسكرة ولا إلى فرض وصاية، بل تحتاجان إلى احترام إرادة أهلهما، والحفاظ على أمنهما، وعدم الزج بهما في صراعات لا تخدم إلا الفوضى.
ختامًا، نقولها بوضوح:
الأمن لا يُصنع بقرارات مرتبكة، ولا يُحمى بنقل الخطر، بل بمواجهة جذور الأزمة، واستعادة الدولة، واحترام إرادة الشعوب.
والتاريخ لن يرحم.
عدن – 29 ديسمبر 2025م