تحصين البيت العربي

2018-05-03 06:29

 

لم يشكل قطع المملكة المغربية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران صدمة، بمقدار ما عزز حقيقة ما يعاني منه الأمن القومي العربي من تدخلات، أحدثت قدراً هائلاً من التخريب في الدول العربية، وبذات القدر الذي أصاب البيت العربي من أضرار جسيمة، يجب أن تكون الإرادة العربية بذات العزم في إصلاح الشروخات التي ضربت جدران البيت العربي، وأصابته بكثير من التصدعات.

 

لعل قمة القدس التي عقدت في مدينة الظهران السعودية (أبريل 2018م)، تعتبر واحدة من أهم المداخل لقراءة مستحدثة لمفهوم الأمن القومي العربي، جاء الطرح في هذه القمة أكثر واقعية، عبر مفهوم بدأ العرب في تداوله، وهو (تحصين الهوية الوطنية للدولة العربية)، هذا المفهوم قد يساعد العرب في الخروج من الأزمة التي تعمقت.

 

وبات من الصعب معالجة الأمن العربي، بعد ما حدث في الثاني من أغسطس 1990م، عندما غزا العراق الكويت، وحدثت انتكاسة في عمق الأمن العربي، من داخل النظام العربي نفسه، ولم تستطع الدول العربية، برغم كل هذه السنوات، معالجة تلك الانتكاسة، برغم أن العالم العربي شهد أحداثاً وتحولات، منها الغزو الأميركي للعراق (2003م)، وما أصاب العالم العربي من رياح الفوضى في 2011م.

 

بالعودة إلى قطع المملكة المغربية العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بسبب دعم طهران، إثر الدعم الذي يقدمه حزب الله اللبناني لجبهة البوليساريو في الصحراء الغربية.

 

هذا التدخل الإيراني الممتد إلى أقصى العالم العربي، يؤكد الأهمية الظرفية لتحصين الأمن العربي، التدخل الإيراني في الشؤون العربية، ليس مجرداً، فهناك التدخل التركي، فكما إيران تغولت في سوريا والعراق واليمن، فعل الأتراك ذات الشيء بتدخلهم في سوريا والعراق والصومال، وغيرها من الدول العربية.

 

قد تكون دولة قطر لاعباً مشتركاً، يلعب لصالح القوى الإقليمية التي تحمل أطماعاً توسعية في البلاد العربية، الرئيس السيسي، أطلق صيحة إنذار لكل العرب، عندما أشار بوضوح أن هناك دولاً عربية تواجه لأول مرة منذ تاريخها، تهديداً وجودياً حقيقياً.

 

وأن هناك محاولات ممنهجة لإسقاط مؤسسة الدولة الوطنية، لصالح كيانات طائفية وتنظيمات إرهابية، يمثل مشروعها السياسي، ارتداداً حضارياً كاملاً عن كل ما أنجزته الدول العربية منذ مرحلة التحرر الوطني، ويمثل أيضاً عداءً شاملاً لكل القيم الإنسانية المشتركة التي أجمعت عليها وبشرت بها كل الأديان السماوية.

 

قدمت السعودية والإمارات أنموذجاً عملياً في ثلاثة ملفات خلال السنوات الأخيرة، دعم ثورة 30 يونيو المصرية، عاصفة الحزم في اليمن، قطع العلاقات مع النظام القطري، وأهمية الثلاثة الملفات، تكمن أنها تتعلق بالأمن القومي العربي بشكل عميق.

 

وتؤكد أن المشتركات العربية يمكن معالجتها من قبل القوى العربية، ولعل النظر إلى دعم ثورة 30 يونيو، أنها استطاعت تثبيت الهوية الوطنية المصرية، ونجحت في تجنيب المصريين مآلات الانزلاق في أتون الصراعات التي فتحتها القوى الإقليمية الخارجية، عبر استغلال حركات الإسلام السياسي للسيطرة على أهم أقطاب العالم العربي.

 

كذلك كانت عاصفة الحزم (مارس 2015م)، قطعاً حاداً للمشروع الإيراني في الجزيرة العربية.

 

وكذلك التركي، فالمشروعان يتقاطعان في اليمن، عبر جماعات الإسلام السياسي، الحوثيون يعبرون عن مشروع إيران، والإخوان المسلمين يعبرون عن مشروع تركيا، نجحت عاصفة الحزم في تأمين باب المندب، كجزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وما زال التعامل جارياً مع أصحاب المشاريع المضرة بالعالم العربي، عبر سياسة استنزاف هذه القوة الضارة في اليمن.

 

مواجهة قطر بصرامة، هي أهم ما يمكن الإشارة إليه في مفهوم تحصين البيت العربي، فعلى مدار أكثر من عقدين من اختراق نظام الدوحة، عدداً من الدول العربية، عبر تمويل جماعات ومنظمات مصنفة دولياً بأنها إرهابية، بداية من حزب الله اللبناني، ومروراً بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش، ووصولاً إلى تنظيم الإخوان المسلمين، بات التصدي للخطر القطري عملاً تجاه تجفيف تمويل الإرهاب.

 

وتحييد هذه الجماعات التخريبية عن الموارد المالية، وحتى السياسية والإعلامية، التي وفرتها الدوحة للعبث بالعالم العربي، ومع أن الشواهد والأدلة القاطعة في تورط قطر أصبحت كافية، إلا أن القطريين ما زالوا يواصلون اندفاعهم تجاه مواقفهم، في غير اكتراث بما أحدثوه في العواصم العربية من تخريب وتشريد وقتل وانتهاكات.

 

الدولة العربية تحتاج إلى تحصين في عمق هويتها الوطنية، والعمل على البحث عن مخارج تكفل لشعوب الدولة العربية الواحدة، استقراراً اقتصادياً، وترميماً حقيقياً لسياساتها الداخلية، بما يحصنها ضد التهديدات الخارجية والداخلية معاً، بما في ذلك، استحداث مفاهيم جديدة، بما تتطلبه المرحلة الحاضرة والمستقبلية، لتعريف الأمن القومي العربي.

 

وتأصيل القيم والمبادئ لكل كيان سياسي عربي، بعيداً عن الأيديولوجيات الدينية التي أصابت الأمن العربي، من خلال الدولة، بمعضلات يجسدها الاختراقات التي نالت عديداً من الأوطان العربية.

 

*- البيان