عندما يسمح احد قادة جماعة الأخوان المسلمين في اليمن, لنفسه بإن يصف الشعب في الجنوب بإنه مجرد (سَبُورة) ففي الأمر تجاوز لأشياء كثيرة أقلها الكياسة وأكثرها الـ (..), كما وفي الوصف جرأة غير مطروقة في إستحضار اداة, دأب المربون, المعلمون والمدرسون الأفاضل على إستخدامها للتنوير,
إستحضار مفهومها الفيزيائي تحديداً للسخرية والتندر من نزعة الشعب في الجنوب للوحدة.
أنا من الناس الذين يتابعون بدقة حالة الإنحسار الإجتماعي والسياسي التي تتهدد جماعات الإخوان المسلمين, في بلدان ما أصبح يعرف بالربيع العربي. إنحسارٌ بفعل التجريف الذي تمارسه قياداتها بعد الخروج من تحت الأرض الى العلن, تجريف بحق مصداقية أكتسبتها قواعد الجماعة من خلال عمل (الخير), وكانت الـ(سَبُورة) الوسيلة لإيصال أفكار الجماعة تحديداً, الى عقول الناشئة, تجريف القيادة لعلاقة القواعد بحاضنتها الأجتماعية التي بُنيت لعشرات السنين, وكان لوح المعلامة الـ(سَبُورة), أحد أهم وسائل بناء تلك العلاقة. لذا فأن ما يبدر من بعض تلك القيادات, يهدم علاقة الجماعة بالمجتمع وتحديداً في الجنوبي, ولا يحافظ على بقاء الوحدة التي يكون فيها (الجميع شركاء في السلطة والثروة) كما اشار السيد قحطان في مقابلته الصحفية, رغم أنه وغيره في قيادة الجماعة يدركون قبل غيرهم, أين يقع مركز السلطة! والى أين تصب الثروة!. كما ويدركون جيداً أن الجنوب لم يك ولن يكون مجرد (سَبُورة) تحت أي ظرف من الظروف.
فالمؤكد أن المُقاربة بين الشعب الجنوبي والـ(سَبُورة) أمرٌ لا يهتدي اليه سوى رَجُل يمزج بين التربية والثقافة والأعلام من جهة والأداء العسكري من الجهة الأخرى, رجل بخبرة والمام السيد محمد قحطان الذي يدرك جيداً أن الجنوبيين بحراكهم السلمي, لا يسعون سوى لإسترداد مقدراتهم وحقوقهم, التي من خلال موقعة في الهيئة العليا لحزب الإصلاح الذراع السياسية لجماعة الأخوان المسلمين يعلم: أين ومتى ذهبت تلك المقدرات التي تعود لدولة! وكيف تبخرت تلك الحقوق الجنوبية التي تعود لشعب!. يدرك كيف تَزَحَّلقت من فوق الطاولة الى ما دونها! .. كما وإن المُقاربة بين الجنوبيين والـ(سَبُورة) لا يهتدي اليها أيضاً سوى رجل عانى كثيراً, من الكتابة تحت (الطاولة), عانى من الإنحناء بفعل هبوط السقف, عانى من العتمة لغياب النوافذ والمناور, عانى من ضيق المساحة, ومن رطوبة الأجواء تحت الطاولة او تحت الأرض. ولكنه "اول ما شطح نطح" كما يقول المثل الشعبي.
ومع ذلك فإنه: بمقاربة الجنوبي والـ(سَبُورة), يكون صاحبها قد ضرب عصفورين بحجر واحدة, ففيها من التأكيد ما يكفي للقول بإنه وجماعته قد غادروا مرحلة العتمة التحتية, هذا أولاً, أما ثانياً, فتوحي بأنه أراد الإيحاء بتعليق القضية الجنوبية عرض الحائط, بعد أختزالها الى مجرد ضرر عندما قال لا فظ فوه: " الأخوة الجنوبيين تضرروا من (بعض الأمور)، ونأمل أن يتمكن مؤتمر الحوار من إتخاذ قرارات جادة وصارمة تعمل على تلبية مطالبهم المشروعة" .. فجزاكم الله عن كل جنوبي خيراً, جزاءً لما تأملوه لنا وجزاءً لما يبدر عنكم من مقاربتكم الأخيرة او السابقة التي نصت بإن الفرنسيين احق من الجنوبيين في التملك في الجنوب الذي تناولناه في موضوع سابق بعنوان "البس هو المالك الأصلي"!
المقاربة القحطانية هذه تدفعنا الى تأمل أنواع الـ(سَبُورة), فمنها الخشبي بلونيه الأسود والأخضر وهذا النوع يمكن إستخدامة تحت الطاولة, تحت الأرض, تحت أي ساتر طبيعي او صناعي, وهناك أنواع جديدة وعديدة من الـ(سَبُورة) منها على سبيل الذكر لا الحصرالـ(سَبُورة) الألكترونية او الـ(سَبُورة) التفاعلية وهي من النوع الذي لا يمكن أن يخطر على بال الأستاذ محمد قحطان, لأن الجماعة لا تؤمن بالتفاعل, وإنما بالتلقين فقط. وهناك الـ(سَبُورة) التفاعلية البديلة, وهذه أيضاً من النوع المؤكد غيابه عن ذهن رجل في قيادة الأخوان, كونهم لا يسلمون لا بالتفاعل الفكري أو الثقافي ولا التبادل السلمي للسلطة. ويبقى صنف من الـ(سَبُورة) يحتمل أن يكون وراء تلك المقاربة القحطانية هي الـ(سَبُورة) الذكية. وما يرجح هذا الإحتمال: أن هذا الصنف من الـ(سَبُورة) يمكن يصادفك في قاعة الدرس او صالة الرياضة او في قاعة المؤتمرات أو حتى في قاعة الحوار, فالأرجح أن تلك الـ(سَبُورة) هي من كانت تحاصر تفكير الأستاذ محمد قحطان, لحظة حواره مع صحيفة الثورة في 27 مارس, وهي أي الـ(سَبُورة) من يتحمل المسئولية كاملة عن أي سوءٍ لإستخدام الذكاء.