قليلون من اليمنيين هم الذين يستشرفون المستقبل برؤى خلّاقة، مبنية على التفكير والتدبير والمبادرة، والتحسُّب للقادم قبل مجيئه، أما الغالبية العظمى منهم، فإنهم يفضلون الوجبات الجاهزة، ولذلك تراهم يغزون المطاعم بكثافة مستغربة، وينتظر البعض منهم وقوفا حتى يجدون طاولة يلقون اجسامهم المنهكة عليها.
حديثي عن الطعام ليس الا مقدمة توضيحية للحديث عن الفوضى " غير الخلافة " حول المؤتمر الشعبي العام، تلك الكتلة البشرية المتنافرة المتشاكسة، التي جمعها الراحل صالح رحمه الله حوله ومعه، لتكون اداة للحشد والتحرك والتعبئة والتواصل، وكان هو شخصيا رابطة العقد لهذه الكتلة البشرية المترهلة، فلما ذهب الى ربه، تشرذمت تلك الجموع، شرقا وغربا، تبحث عن ارباب ٍ أُخرين، ولا أدل على ذلك من تفريخات " قناة اليمن اليوم " التي اصبحت ثلاثا، وأصدرت كل واحدة منها بيان نعي ٍ مختلف عن الأخريين، واصدر بعضهم بيانات مناشدة يحذرون فيها من انفراط عقد
( المؤتمر ) الوهم.
رحم الله عبدالسلام العنسي، احد ابرز مؤسسي المؤتمر، ومهندسي بنيانه، حين قال في مقابلة عن المؤتمر، إنه { حزب الرئيس }، نعم انه حزب الرئيس، كان محاصرا معه في الثــّنية ( بجانب سوق الكميم )، ثم نقل الى ثلاجة الموتى، بانتظار الدفن.
ويحضرني في هذه السياق مقولة مديرنا العتيد على محمد الآنسي، أمد الله في عمره، وقد جاءه احدهم متفاخرا أن عدد اعضاء المؤتمر قد زاد على سبعة ملايين، فعلق بعفوية
( هذي قدهي غاغة، ما عادوش حزب )
وخلاصة القول أن المؤتمر لم يعد موجودا، لقد تلاشى كما تلاشت كل التكتلات والتشكيلات والكوينات القبلية والغثائية، التي شيدها الراحل على صالح، وكان هو شخصيا محورها ومبننها.
ولا ادري لماذا هذا العجز والخَور الجاثم على صدور اليمنيين، وهم يتشبثون بـ ( الوجبات الجاهزة )، ولا يبادرون لإنشاء وتأسيس أحزاب سياسية جديدة، على الاصول المتعارف عليها، والاستفادة من التجارب والتعارف اللذين قد يكونوا اكتسبوهما من عضويتهم في المؤتمر الشعبي العام.
عبدالحميد ملهي
مستشار في رئاسة الجمهورية اليمنية