الصحافة هي المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالبا ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية وغيرها.
والصحافة المعاصرة ـ وفي ظل التقدم العلمي والتكنولوجي ـ أضحت قاسما مشتركا بين جميع الأنشطة الإنسانية: السياسية، الصناعية، الاقتصادية، الرياضية، الاجتماعية، العسكرية، الثقافية، الترفيهية. ولكن خلال السنوات القليلة الماضية أضحت صحافتنا ومواقعنا الأخبارية تهتم بالجوانب السياسة وأهملت الجوانب والأنشطة الأخرى، إلا ما رحم ربي.
وعلى ما يبدو أن التركيز على السياسة دون غيرها، في ظل بيئة معيشية تتواجد فيها المشكلات والهموم والملفات والظواهر الدخيلة التي تتطلب تناولا واهتماما صحفيا، تقف خلفه أجندات سياسية مشبوهة تستهدف وعي الناس وتشوش واقعهم.
وخلال السنين القليلة الماضية - لاسيما في الجنوب - أضحت الصحف الورقية والإلكترونية تصبِّح المواطن سياسة وتغديه سياسة وتعشيه سياسة!!.. فما يزيد عن 80 % من المواد الصحفية هي في السياسة، متناسين بذلك قضايا المواطن وهمومه، فالناشر الصحفي يركز على السياسة، والتقارير الصحفية تركز على السياسة، والكاتب يكتب في السياسة.
وليس المؤسف غياب قضايا المواطنين وهمومهم عن متناول الصحافة، بل الأمر المؤسف جدا أن هذا الحيز الكبير الذي تشغله المادة الصحفية في السياسة هو سياسة مغلوطة وجوفاء!.
وقد يقول قائل إن هذا النشر الصحفي المرتكز على السياسة أتى نتيجة الظروف الراهنة.. وعليه نقول إن من حق الصحافة أن تتوجه حسب واقعها، على الرغم من أن هذا يعد انحرافا عن مسار المهمة المناطة بها، وهي نقل قضايا وهموم الناس وإيصال رسالتهم.
ولكن الطامة الكبرى أن المادة السياسية المنشورة هي في الأساس مغلوطة، وتصنع رأيا عاما مشوها عديم الفائدة.. فإن كان نصف هذه المادة الصحفية سليما ويمكن أن يوّعي المواطن في الجانب السياسي كان بها، لكن الواقع يوحي بأن جل النشر الصحفي في الشأن السياسي مغلوط ويضر أكثر من كونه مفيدا.. بل إنه ونتيجة لذلك بات الرأي العام يمتلك معرفة مشوشة ومشوهة تصعب عليه فهم واقعه السياسي.
الواقع الذي أفرزه التوجه الإعلامي والصحفي المغلوط خلال السنوات القريبة الماضية انعكس سلبا على الصحافة نفسها، ولم يعد عليها إقبال كبير كما كان في السابق، خصوصا النخبة المثقفة التي تدرك انحراف المادة الصحفية، والانعكاس السلبي الأكبر هو على المجتمع الذي انتقلت إليه عدوى السياسة المغلوطة، وأضحى مستخدمو برامج التواصل الاجتماعي يكتبون في السياسة ونقاش المجالس في السياسة.. بل حتى النساء صار نقاشهن مؤخرا في السياسة.
وتظهر سلبية هذا الواقع من خلال نسيان المجتمع وعدم تفاعله مع القضايا الخاصة به، وأبرز مثال هو اللامبالاة المجتمعية حيال الظواهر الدخيلة على عدن، وبالمقابل تجد تفاعلا كبيرا في الجانب السياسي.. ولكون هذه السياسة مغلوطة فإننا نجد الرأي العام مزيفا ولا يعي واقعه السياسي.
وفي ظل انحراف السياسة الصحفية عن مسارها وتحولها فإننا - في الوسط الصحفي - بحاجة لوقفة جادة من أجل تصحيح مسار الصحافة لتقوم بدورها المعرفي الذي وكِّلت به، ورسالتها الثقافية السامية الملقاة على عاتقها، ودورها التنويري وتشكيل الرأي العام، وتقديم الحلول والمعالجات، وتبصير الناس بحقوقهم، ونقل همومهم والابتعاد عن طوفان الضجيج الإعلامي، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والتضخيم للأحداث بما يزرع الخوف لدى المواطن.
*- عن الأيام