عرف الغرب الصحافة الصفراء في نهايات القرن التاسع عشر واشتهرت بهذا الاسم بعد انتشار مسلسل قصة الطفل الأصفر في إحدى صحف نيويورك وكانت سببا في انتشار تلك الصحيفة التي تنشر القصة المتضمنة إيحاءات كثيرة سياسية وجنسية و اجتماعية تتعلق بأسرار السياسيين و رجال الأعمال كما كانت تعمل على تضخيم الأحداث والمبالغة في سردها مع صفة دائمة وهي غياب المصداقية والدقة مع ميل إلى الحديث أكثر عن الإشاعات التي تصلها أو تختلقها مع التهويل والمبالغة في صنع تلك الإشاعات أو الأخبار المصطنعة.
إن جزء من الحالة العامة السيئة التي نعيشها اليوم في أوضاع مجتمعنا الجنوبي السياسية والاجتماعية أسهمت فيها سلبا ممارسات الإعلام المحلي سواءا صحافة مطبوعة أو مواقع إخبارية عنكبوتية أو منصات تواصل اجتماعية قائمة على أساس ابتزاز الآخرين واختلاق قصص لا أساس لها الهدف منها فقط الإثارة والتضخيم المسيئ لأطراف محددة خدمة لأطراف أخرى ناهيك عن الاهتمام فقط بكشف الفساد لدى أشخاص تختارهم بناءا على معايير سياسية و هذا أمر قد يكون مفهوما عندما تكون التوجهات السياسية محددة سلفا لكن ما لا يمكن أبدا القبول به هو أن يتحول هذا الإعلام إلى سلاح مناطقي يمزق ما تبقى من نسيج اجتماعي في الجنوب وعلى أيدي أناس يدعون زورا الاستقلالية المهنية بينما تجدهم ينشرون روائح الكراهية والتحيز السياسي والمناطقي والقبلي وزرع الفتنة خدمة لمن كان لهم الفضل ماديا أو وظيفيا يوما ما على هؤلاء الإعلاميين ليصبحوا جنودا مجندة تسهم في قيادة معركة من نوع آخر ضد الجنوب من خلال اعتماد لغة ذات إيحاءات مناطقية وقبلية مثيرة عندما يتم الحديث عن مواضيع جدية وهامة أما من أجل اجتذاب أعداد أكثر من القراء وتحقيق تسويق اكبر للموقع أو الصحيفة أو لخدمة لمشاريع أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي الذين استطاعوا تسخير هذا النوع من الإعلام (الأصفر) و الإعلاميين (الصفر) لمصلحتهم في معركة غير متكافئة خصوصا مع ضعف الإعلام الجنوبي الوطني في مواجهة إعلام السلطتين الشرعية والانقلابية.
التاريخ ليس الأمس فاليوم سيكون تاريخا غدا وغدا سيكون تاريخا بعد يوم غد لذلك استمرار هؤلاء في هذا المسار سيسجلهم التاريخ كطابور خامس معادي لشعب الجنوب و يجعلهم يسيرون في طريق في مواجهة غالبية شعبهم وإن تهيأ لهم أن لهم داعمين كثر من ذوي المال و متابعين وقراء أكثر.
إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة - مِنْ رضوان الله - لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة - من سَخَط الله - لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في نار جهنم .
قال تعالى ((من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور )) صدق الله العظيم .
لماذا هذا الإصرار على إيذاء الناس وإلحاق الضرر بمسيرة هذا الشعب الذي دفع أثمان باهظة في نضاله ليأتي بعض الإعلاميين وليمارسوا كل أنواع التزييف و الفبركة الإخبارية فقط للتكسب أو كرها بأشخاص فهذا ليس من المهنية في شئ إنما نحن إعلام اصفر.
*- د حسين لقور بن عيدان – أكاديمي وباحث سياسي