الجنوبيون اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما حيال موضوع تشكيل قيادة جنوبية موحدة تمثل صوت الجنوب وقضيته السياسية بالداخل والخارج تحت أي مسمى :إمّا قبول المجلس الانتقالي الجنوبي بكل ما عليه من ملاحظات وما فيه من نقصان وما يحتويه من ارتباك بخطواته الاولى وبخطابه السياسي خلال الاسابيع الماضية , والسعي الى اصلاحها وتجاوزها.
وإما رفض هذا المجلس وإفشاله- كما يسعى بعض من الجنوبيين للأسف وليس فقط الشماليين- واستئناف حالة التخبط السياسي داخل دائرة المسميات الجنوبية وفسيفساء الثورة والمقاومة والمكونات (من دوامة المؤتمر الجنوبي الجامع الى متاهة المؤتمر الجنوب العام وغيرها من الدوامات المرهقة) وتقّبل سخرية وازدراء العالم لحالة غياب الممثل السياسي الجنوبي وحالة تعدد الرؤوس وتناسل المكونات وتكاثرها,في الوقت الذي يستعد المحيط الإقليمي, ناهيك عن المحلي لعملية تسوية سياسية شاملة بإشراف دولي, سيجد الجنوب نفسه بالهامش, (ويا فرحة الشامين), والسبب معروف والمسببون معروفون أيضاً.
بعد سنوات طويلة من مسيرة الثورة الجنوبية التي شابها غياب مشروع سياسي موحد وفقدانها لقيادة موحدة (حتى داخل المكونات الجنوبية ذات الهدف والوسيلة المتطابقتين) كالمكونات الثورية والسياسية المؤمنة بفكرة التحرير والاستقلال واستعادة الدولية الجنوبية) جعل الناس يترقبون ظهور أية مبادرة تخرجهم من هذا التيه والضياع, والتمسك بقشة أمل صوب المستقبل في ظل وضع شديد التعقيد, ومحاط بالمتربصين بقضيتهم ومستقبلهم من الجهات الأربع. حتى إذا ما كان يوم 4مايو 2017م وأُعـــلنَ فيه عن تشكيل ذلك المجلس الانتقالي, وجد فيه كثير من هؤلاء الناس البسطاء فضلا عن النخب ضالتهم فيه,قبل حتى أن يعرفوا هوية وانتماء أعضائه سياسيا وجغرافيا. فالتأييد كان للفكرة من ناحية المبدأ لتكون قارب عبور نحو المستقبل, بعيدا عن الخوض بتفاصيل ومكامن الشيطان.
التأييد للمجلس هو تأييدا لتجاوز دوامة تعدد الزعامات وتشعب المجالس والمسميات. التأييد أنطلق من فكرة أن يكون للجنوب مظلة سياسية واحدة , ولو بالحد الأدنى مما هو مطلوب, ليكون لهم لسان سياسي واحد يستطيع ان يخاطب العالم والإقليم و الداخل- عن حق الجنوب بتحقيق تطلعاته, وأن يكون مجلسا يتصدى لكل محاولات انتحال ارادته السياسية وتزييفها كما حدث بعدد من المناسبات(مخرجات صنعاء نموذجا) حين تم تزييف ارادته السياسية بتوقيع قام به أحدهم نيابة عن مؤتمر شعب الجنوب على مشروع الستة الاقاليم, في واحدة من أقبح حالات التزييف الشعبي والانتحال السياسي بالتاريخ المعاصر.
المجلس الانتقالي يجب أن ينظر له كمؤسسة سياسية وليس كأفراد. مؤسسة وجدت لتتطور وتستوعب كل الافكار والمشاريع السياسية ما فوق مشروع الفيدرالية الثنائية المزمنة بحدود 90م . تتغير فيه الاسماء بين بحسب ما تقتضيه الظروف وتحل فيه مسألة قيادته بشكل توافقي,كالطريقة الدورية الزمنية بين المحافظات.
قال أحد أدباء العرب: (لا تخبرنا بما يمكنك أن تفعله بل أعطنا فرصة لكي نندهش). من يعارضون المجلس الانتقالي الجنوبي من الجنوبيين وبالذات الجنوبيين المتبنين لفكرة استعادة الدولة أو مشروع الاقليمين المزمّــن بحدود عام 90م, كمشروع مؤتمر القاهرة الجنوبي, وهو أدنى سقف سياسي ممكن, سيجدون من الصعوبة بمكان التفهم لمنطقهم وهم يتحدثون عن ضرورة تشكيل قيادة جنوبية موحدة في حال أصروا على أن يكون المجلس الانتقالي منزه من كل العيوب والأخطاء, وأن يمثّل كل مواطن جنوبي بدون استثناء كما يطالبون اليوم. ففي حالوا اصروا على ذلك ونجحوا في إفشال هذا المجلس سيكون لزاماً عليهم أن يأتوا بحل لمعضلة غياب الإطار القيادي الجنوبي أمام الشعب وأمام العالم, وأن يقدموا البديل الأفضل عن فكرة المجلس الانتقالي الجنوبي, تحت أي مسمى. فهم ملزمون سياسيا واخلاقيا على ايجاد هذا إطار السياسي الجنوبي ليكون بمثابة قيادة جنوبية موحدة (على سنجة عشرة) خالية من كل الشوائب كما يطالبون غيرهم اليوم¸بعد أن رفضوا أن يستوعبوا حقيقة: ( ليس بالإمكان أكثر مما كان), فإن نجحوا فتعظيم سلام لهم مقدماً, وإلا فسيضعون أنفسهم في موقف الريبة والتوجس أمام الجميع, حتى و إن عضوا الاصابع ندماً وهم يقولون متحسرين: (في الصيف ضيعت اللبن).
*قالت العرب:
(إِذا هبـتْ رياحـكَ فاغتـنـمها × فعُـقبى كل خافقةٍ سكونُ)
(وإِن دَرَّتْ نيــاقُكَ فاحتلبْهـا ×فما تدري الفَصيلُ لمن يكونُ).