أقامت الحكومة اليمنية الزائرة لعدن، يوم أمس، احتفالاً، بمناسبة الذكرى الثانية لتحرير المدينة في 27 رمضان. إحتفال الحكومة في مقرها بمعاشيق تضمن كلمات حماسية ورقصاً وغناءً وكل ما يشير إلى الفرح في مدينة لم تعد تشعر بقيمة النصر المتحقق لها، بعد أن وجدت نفسها بعد هذا النصر، ورغم كل التضحيات، فريسة للوجع والحزن اللا متناهي.
في الاحتفال الذي دعا منسقوه كثيرين للحضور دون إبلاغهم بمناسبة الدعوة، تحدثت الحكومة عن انتصارات عظيمة نسبتها إلى جيشها المسمى وطنياً، رغم أن جزءاً مهماً من هذا الجيش الذي يسمع عنه الناس ولا يرونه، كان وربما ما زال يأتمر بإمرة صالح والحوثي، كما بشرت الحكومة بانتصارات أخرى ليس في مقدورها إنجازها بحسب المعطيات.
الحكومة تحدثت بجرأة تحسد عليها عن انتصارات نسبتها لنفسها رغم أنها تحققت وكثير من أعضائها كانوا يومذاك ضمن قوة الطرف الآخر الذي يحتفل الجنوبيون بالانتصار عليه.
في احتفال قاعة مبنى الإتحادية، وهي المشروع الوحيد الذي أقامته في عدن خلال عامين، أنفقت الحكومة مالاً كثيراً لتقنع متعبي المدينة وفقراءها الذين يسحقهم الجوع ويقتلهم الحر مع انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي بأنها صانعة الإنتصار المجيدة، وأن وزراءها هم قادة الجبهات، وأبناءهم هم الشهداء والجرحى، ولتخبرهم أيضاً أنهم، ودون أن يعلموا، يعيشون صيفاً بارداً، وحالة بذخ ورفاهية بفضل هذه الحكومة، ولتدعو مواطني عدن إلى أن يردوا الجميل ويدعوا لحكومتهم المباركة كما سبق وأن دعوا عليها واتهموها ظلماً بتضييق الخناق عليهم، والعمل على إفشال سلطاتهم المحلية، وتهريب المال والسلاح إلى المليشيات.
تحاول الحكومة اليمنية بفروعها المختلفة، من الرياض إلى عدن إلى مأرب وكذا المقيمين في القاهرة، أن توهم الناس بإنجازات عملاقة، ليس مطلوباً منهم بالضرورة أن يرونها على الواقع ولكن يكفيهم تخيلها عبر قراءة منشور في «فيسبوك» أو «تويتر» وهم مغمضو الأعين، ثم تخيل الإحساس بها، وساعتها ستغمرهم سعادة فائقة، خاصة إذا ما تذكروا أنهم يعيشون في ظلال الدولة الإتحادية الفيدرالية.
لم ينس الناس طرفة مشروع السكة الحديدية، والقطار الذي ستدخله الحكومة إلى الخدمة في شوارع عدن المليئة بالمطبات والحفر، والذي تزامنت الوعود بإنجازه مع أزمة وقود خانقة، وشبه توقف لحركة السيارات المتهالكة، حتى أتحفتهم الحكومة (وبدمها البارد) بطرفة الصيف البارد، الذي سيكسو جبال عدن بالصقيع، في وقت كانت الناس فيه تموت من شدة الحر وانقطاع الكهرباء. ويا ليتها خجلت قليلاً وبحثت عن عذر يبرر عدم سقوط الثلج، لكنها قالت إنها فعلاً أنجزت وعدها وإن لم يكن كما يتمنى الناس!
في كل فعالياتها وتصريحاتها تبدو الحكومة اليمنية ظاهرة صوتية مثيرة للشفقة، وهي تنسب لذاتها نجاحات ليست لها حيناً، أو تدعي إنجازات أكبر من قدراتها، وهي الحكومة العاجزة المغموسة بالفساد، وتكديس الأموال، وتعطيل حياة الناس، والانشغال بمحاربة كل توجه جنوبي يسير نحو رفع المظالم واستعادة الهوية والكرامة الجنوبية.
يقول أحدهم: والله لا نطلب من حكومة المنافي والعزب، المستحيل، كإنجاز عمليات تحرير المناطق المحتلة، ولا إقامة المشاريع العملاقة، ولا إحلال السلام ومحاربة الإرهاب. لكننا نتمنى عليها أن تنجز مشروعاً وطنياً تسميه مشروع الخجل، علها تكون أول من يعمل به، فتخجل هي عن الكذب والفساد، ويخجل مسؤولوها، صغارهم وكبارهم، عن تقديم أنفسهم كنماذج مخزية تثير الإستهجان في الداخل والخارج، وأن تعلم أن الناس وصلت إلى مرحلة من الوعي باتت تدرك فيها أن الصيف في عدن يستحيل أن يكون بارداً كما تعد هذه الحكومة، ولو أشرقت الشمس من المغرب.