الإجراءات التي اتخذتها الرياض وعدة عواصم عربية تجاه دولة قطر جاءت بعد أن تحملت السعودية عشرين عامًا من طعنات الغدر القطرية، الإجراءات التي بدأت بقطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وإغلاق كل المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع العبور بالأراضي والأجواء والمياه الإقليمية، ومنع السفر لقطر أو الإقامة فيها أو عبورها، هذه الإجراءات القوية اتخذت بعد طفح الكيل من تصرفات قطر المتهورة.
لطالما كانت الدوحة محل انتقاد دولي لتساهلها في عمليات دفع الفدى المالية للتنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة وغيرهما) مقابل إطلاق سراح من يتم اختطافهم من قبل تلك الجماعات بهدف الابتزاز المادي، كما أظهرت قطر قدرة في التواصل مع التنظيمات المصنفة إرهابية، مما يرسم علامات استفهام حول العلاقة التي تربطها بتلك التنظيمات المتطرفة.
بدأت قطر في تمويل الإخوان المسلمين في اليمن عبر الفِدى التي كانت تدفع بشكل منتظم منذ عام 1997م، يمكن للمتتبع لعمليات اختطاف السياح الأجانب أن يستنتج مدى ما قدمته قطر إلى جماعة الإخوان في اليمن من أموال، في المقابل يجب النظر أن تنظيم القاعدة الذي ظهر في الأراضي اليمنية بعد حرب صيف 1994م وجد بيئة مناسبة تمدد من خلالها في مناطق واسعة من اليمن بفضل إغداق قطر على التنظيم واستخدام المخلوع صالح للعناصر الإرهابية الموالية لجماعة الإخوان في السيطرة السياسية والاقتصادية على ثروات الجنوبيين.
دفعت الحكومة القطرية ما يقدر بـ(15 مليون دولار) لتنظيم القاعدة في اليمن للإفراج عن خبيرة تدريب سويسرية كانت مختطفة لدى التنظيم، كما دفعت قطر (16 مليون دولار) لجبهة النصرة للإفراج عن ست عشرة راهبة اختطفتهن الجبهة، غير أن مبلغ (500 مليون دولار) دفعتها قطر للحشد الشعبي لإطلاق سراح 24 مواطنًا قطريًا تم اختطافهم في العراق.
قدمت قطر للجماعات الإرهابية ما يقدر بأكثر من 64 مليار دولار أمريكي تزايدت منذ عام 2010م لتمويل أنشطة إرهابية في أكثر من بلد، وتبدو ليبيا واحدة من تلك البلدان إِذ عملت قطر على استهداف نظام القذافي فقامت بتمويل القاعدة وداعش والإخوان وسلمت ما يسمى (مجالس الثوار) في بنغازي والبيضاء ودرنة ومصراته وزنتان مبالغ ضخمة في طريق إسقاط النظام وإيصال الإخوان الليبيين لسلطة الحكم السياسي في ليبيا التي كانت تجري بالقرب منها محاولات إسقاط لأنظمة تونس ومصر عبر تمويل كذلك قطري.
كل هذا التمويل للإرهاب صنع سياسة قطرية أغرقت المنطقة في صراعات عنيفة ودامية وتسببت في تهجير الملايين، وإحداث شروخات سياسية واقتصادية بل واجتماعية عميقة جدًا داخل المجتمعات المتضررة من السياسات القطرية، ما لعبته قطر من دور في مساعدة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين عبر احتضانها لشخصيات مُصنفة إرهابيًا وعلى رأسهم يوسف القرضاوي الصادر بحقه أحكام قضائية بسبب دوره في أحداث رابعة 2013م، كما أن عديدًا من الشخصيات الأخرى تحظى بالحماية والرعاية في قطر.
ما حصدته قطر من حصار هو حصاد سنوات طويلة زرعت فيها المكائد السياسية وأضرت بمصالح جيرانها بل عملت على تهديد الأمن والاستقرار المباشر في مصر وتونس وليبيا وسوريا والبحرين والسعودية، الوضع الراهن الذي وضعت فيه قطر نفسها لا يُلام أحد بقدر ما تُلام القيادة القطرية بداية من الأب حمد آل ثاني وحتى ابنه تميم.