في العام 1982م توفرت لإيران أول فرصة لإنشاء ذراع من أذرعتها الخارجية، أي أنه بعد ثلاث سنوات من نجاح الثورة الخمينية، فلقد اجتاحت إسرائيل لبنان وحاصرت العاصمة بيروت، توفرت فرصة نشوء مقاومة شيعية في ظهور مُعلن لقوى إسلامية شيعية في المنطقة، كثير من الظروف ساهمت بقبول المقاومة تلك وكل أنواعها نظراً لتداعيات الاجتياح الإسرائيلي وما ألحقه من تأثيرات سياسية مختلفة، كما أن خوض العراق لحربه ضد إيران جعل من مسألة القبول بالمقاومة خارج إطار الدولة مسألة مقبولة على قاعدة استعادة الدولة لسلاح المقاومة لاحقاً.
على مدى سنوات تالية لعب (حزب الله) دوراً هاماً خاصة بعد ظهور ما سُمي بمحور المقاومة الذي قادته إيران وأخذت تنطلق به نحو صنع أفاق سياسية تضاربت فيها الأهداف والتي تكشفت لاحقاً فيما يسمى (الهلال الشيعي) وهي رغبة إيران بالتمدد إلى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، وقد أوكل إلى (حزب الله) دور رئيسي في هذا الجانب فلقد توغل الحزب في هيكل الدولة اللبنانية، وكان التحول الأكثر أهمية في ألفية الجديدة التي شهدت اغتيال الرئيس رفيق الحريري (فبراير 2005م)، فلقد كانت تلك الحادثة مفتاحاً لأحداث توالت على لبنان والشرق الأوسط كانت فيها قطر لاعباً لا يمكن تجاهله أبداً.
بينما ظهرت قطر في جنوب لبنان بعد هزيمة (حزب الله) في 2006م كان هنالك ظهور آخر في الدوحة عندما شرعنت قطر لجماعة الحوثي حضورها في المشهد السياسي اليمني، فلقد رعت الدوحة اتفاقا بين الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وجماعة الحوثي لوقف الحرب بينهما، كان المشهد خارج المألوف على الأقل أن طرفي الاتفاق شمل جماعة غير سياسية مع الدولة اليمنية، ما حدث في 2004م كان مفتاحاً لكل تداعيات اليمن السياسية لاحقاً، فلقد أوجد ذلك الاتفاق مكوناً سياسياً فرض نفسه بالتمرد على السلطة.
كالبعير الذي انفلت من عِقاله خرج الحوثي من صعّدة ليجتاح المحافظات الشمالية بعد ثورة 2011م، يذكر ناشط حوثي بأن قطر كانت تريد من الحوثي أن يُشكل قوة على الحدود السعودية اليمنية كما هو حزب الله في شمال إسرائيل، أما لماذا تريد قطر ذلك فالحقيقة ليست قطر التي ترغب بذلك بل هي إيران التي تمكنت في (توقيت ما) من تحقيق الهلال الشيعي ونجحت في الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك بزعزعة الأمن والاستقرار في مصر واستطاعت من نقل الفوضى إلى مملكة البحرين.
الحوثي نجح في إسقاط صنعاء (سبتمبر 2014م) هنا ظهرت قطر في المشهد الأكثر سخونةً على الإطلاق، فبينما تحكم مليشيات الحوثي حصارها على منزل الرئيس عبدربه منصور هادي، تنتقل قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح إلى معقل الحوثيين في صعّدة وهناك ترعى قطر اتفاق (السلم والتعايش) والذي يقضي بإزاحة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي ونائبه خالد بحاح عن السلطة السياسية وتعود القوى الوطنية إلى محاصصة تسقط بموجبها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وبذلك تتخلص كل القوى السياسية من تبعات ما التزمت به منذ توقيع المبادرة الخليجية في 2011م.
تُمسك الدوحة بثلاثة أطراف سياسية يمنية (جماعة الحوثي وحزب الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام) وقدمت لكل الأطراف دعماً مالياً وسياسياً سخياً جداً تسبب في غرق السفينة اليمنية في حرب لم تُبقِ شيئاً من الأعراف والقيم وتحول اليمن لمعضلة تشابكت فيها الأطراف لدرجة أنها لم تعد قادرة على تفكيكها مما يعني أن المرض والأوبئة ستلازم اليمنيين على مدى سنوات طويلة قادمة.