خرجت فرنسا منتصرة بعد جولة أولى من الانتخابات الرئاسية، تقدم ايمانويل ماكرون يؤكد انتصار القيم الفرنسية الليبرالية ويمنح شعوراً عاماً أن الأزمة الأوروبية يمكن تجاوزها خاصة وأن الانتخابات الهولندية في شهر مارس الماضي استطاعت من أن تتجاوز الاختبار الصعب الذي تصاعد إلى أعلى مستوى مع العملية الإرهابية التي ضربت باريس قبل الانتخابات بيومين فقط.
ومع ذلك يبرز تساؤل حول ما حققته مرشحة اليمين المتطرف زعيمة (الجبهة الوطنية) مارين لوبن من أصوات بلغت (21.4%)، ففرنسا البلد الداعم المركزي والمؤسس للاتحاد الأوروبي وأحد أهم الأمم التي تمثل رموز القيم التي يقوم عليها الاتحاد، هذا البلد العميقة تجربته الليبرالية والديمقراطية حدث فيه اختراق حقيقي يتمثل بقدرة التيار اليميني المتطرف الحصول على نسبة عالية من الأصوات.
41 % من الفرنسيين صوتوا للتطرف، وهذا مؤشر يؤكد مدى الخطر الذي تعيشه القارة الأوروبية في أكبر معاقلها، وهذا يعني أن صراعاً محتدماً بين العولمة والقومية يجري في العالم، لوبن تُريد إخراج فرنسا من العملة الموحدة الأوروبية، وزيادة الرسوم الجمركية، وتعزيز الضوابط الحدودية، وتشديد القبضة على الهجرة، لوبن باختصار هي نتاج سقوط جدار برلين وصعود النازيين الجدد في مطالع الألفية الجديدة، هذا الخطاب الشعبوي القادم من تحولات عالمية هو بالتحديد ما نحن بصدده اليوم.
ما يعني فوز لوبن بالانتخابات الفرنسية سيتجاوز حدود فرنسا فلن تقوم قائمة لمنطقة اليورو، ولن تجد إيطاليا وإسبانيا غير الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر، وهذا ما سيمنح الفاشية نفساً عميقاً لاستعادة روحها في أوروبا بعد موت عقود طويلة، مفهوم (إعادة السيادة للدول القومية) سيكون شعاراً عارماً في طول أوروبا وعرضها، وصحيح إنَّ أغلبية الفرنسيين يدعمون بوضوح البقاء في الاتحاد الأوروبي والإبقاء على اليورو، لكن يعتقد مسؤولو حزب الجبهة القومية أنه بمجرد وصول لوبن إلى رأس السلطة فإنها ستعمل على تعديل كفة الميزان، فقد تستخدم التوترات والمواجهات مع القادة الأوروبيين حول مطالب فرنسا من الاتحاد الأوروبي لإذكاء النقاشات حول اليورو داخلياً، في الوقت الذي تعمل فيه على استقطاب الدعم لها.
السابع من مايو لن يكون موعداً للفرنسيين وحدهم لاختيار رئيس الجمهورية الفرنسية بل موعداً يترقبه العالم الذي عليه أن وصلت المرشحة لوبن للرئاسة أن يتعامل مع واقع مختلف تماماً فالشبعوية التي غيرت وجه الولايات المتحدة وقادت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي ستضرب الليبرالية الديمقراطية ضربة موجعة وستعيد للأمم ما دفنته في نهاية الحرب العالمية الثانية.