وفرت الظروف في اليمن فرصة تاريخية لحزب المؤتمر الشعبي العام ليستمر في الحياة السياسية, مع أنه كان حزباً حاكماً أو بالأصح "حزب الحاكم", فقد كان من الممكن أن ينتهي به المطاف الى ما وصل اليه الحزب الوطني في مصر أو حزب البعث في العراق, لكن خصوصية اليمن والهامش الديمقراطي الشكلي الذي كان سائداً, إضافة الى تعدد مراكز القوى, وتأثير القبيلة الطاغي على الحياة السياسية, كل ذلك ساعد المؤتمر على البقاء.
تتصارع الكثير من القوى على وراثة المؤتمر, فالإصلاح يعتبر نفسه الوريث الشرعي بحكم أنه خرج من عباءة المؤتمر وباقتراح من صالح نفسة بحسب ما ذكره عبدالله الأحمر في مذكراته, كما أن الحوثيين لا يخفون تطلعهم الى كسب الكثير من عناصره التي تتشعر بأنها لا يمكن أن تندمج مع الاخوان بأي شكل من الأشكال, وتعتبر أن الحوثيين أقرب لها من عدة نواحي, وأنهم الجهة التي يمكن أن تحميهم في المستقبل من أخونة الدولة.
هناك أيضاً حراك شبابي داخل المؤتمر لم يتبلور بشكل واضح بعد, لكنه بدأ يتطلع الى أن يكون له دور في المستقبل القريب على حساب القيادات العتيقة, مشكلة هذا التيار أنه لم يملك الجرأة بعد ليعلن عن نفسه وعن مشروعة لإصلاح المؤتمر, وتردده قد يصيبه في مقتل, فالفرص التاريخية لا تتكرر ولا تستمر في تقديم عروضها الى ما لا نهاية.
أحداث 2011م أخذت من المؤتمر الكثير من قياداته واعضائه في مجلس النواب, فتكتل العدالة والبناء جل اعضائه من المؤتمر, كما أن تيار الاخوان استعاد بعضاً من وديعته في المؤتمر عبر انشقاق بعض الاخوان الذين كان مطلوب منهم قبل الأحداث أن يضلوا مؤتمريين, والى الآن لا يزال بعض الإخوان داخل المؤتمر ولم تصدر لهم التوجيهات بعد لكي ينشقوا على أمل أن يستخدموا كأوراق في المرحلة القادمة.
ولد المؤتمر من رحم السلطة وعاش في حضنها, وصُدم بتغير الأوضاع, ولم يتمكن الى الآن من التأقلم معها و اعادة ترتيب أوضاعه بناء على المتغيرات الداخلية والخارجية, لذلك يعيش حالة من الإرباك قد تؤدي في نهاية المطاف الى نهايته بالموت البطيء.
يتحمل الرئيس السابق صالح اضافة الى الرئيس الحالي هادي المسؤولية الأكبر عن أوضاع المؤتمر الحالية واحتمال انهياره في أية لحظة, فصالح لا زال يتمسك برئاسته خوفاً على مصالحه المعنوية والمالية الهائلة, خصوصاً مع تغول خصومه في أجهزة الدولة, وخوفه من أن يصل الوقت الذي يرى نفسه و أحد اقربائه في قفص الاتهام, ويكون القاضي من الاخوان المسلمين الجناح القبلي " فرع عمران" الموالين لحميد الأحمر واخوانه, في نفس الوقت لم يتمكن فريق صالح من بلورة صيغة معقولة يمكن أن تحفظ له كرامته ومصالحة وفي نفس الوقت تكون مرنة تجاه المتغيرات التي لا يمكن معها بقاء صالح بعد كل ما حدث.
كذلك لم يتمكن الرئيس هادي من احتواء المؤتمر والمؤتمريين, فلم يشعروا الى الآن أنه جزء منهم, بل يعتقد الكثيرون أنه موالٍ ومنتمي للجناح الذي يقوده علي محسن الأحمر والآخرون أكثر من ولائه للمؤتمر, ويلاحظوا أنه منسجم معهم أكثر من انسجامه مع المؤتمر, ويسدلون على ذلك بقراراته وتعييناته منذ توليه السلطة الى اليوم, التي شعروا أنها لصالح الطرف الآخر وبشكل واضح لا يقبل الجدل.
هادي من ناحيته يتعلل بأن تمسك صالح برئاسة المؤتمر هو السبب, ومع أن هادي عنده حق الى حد ما, لاكن ذلك لا يمكن أن يكون مبرراً لإجحافه ومحاباته لخصوم المؤتمر في تعييناته منذ توليه السلطة, اضافة الى أن هادي ارسل الكثير من الرسائل الخاطئة – عبر تحالفه مع خصومهم - التي ارعبت معسكر صالح والتي كان من المستحيل معها أن يطمئن ذلك المعسكر الى هادي.
يتفنن الاخوان في ارعاب هادي من صالح مما يدفعه الى الاستقواء بهم, وهكذا يتم قتل المؤتمر, وفي النهاية سيتم الاجهاز على هادي نفسه, بعد أن تنتهي حاجتهم اليه.
أفضل الحلول من وجهة نظري هو أن يعمل حكماء المؤتمر على ايجاد صيغة توفق بين الطرفين وتعيد الثقة بينهما وتتعامل بواقعية مع الاحداث والمتغيرات التاريخية, ليخرج كل طرف بما يحفظ مصالحه بشرط أن لا تتعارض مع مصالح المؤتمر كحزب, وأهم النقاط التي تتعارض مع مصالح المؤتمر هي بقاء صالح على رأسه, وتحالف هادي مع خصومه.
* علي البخيتي