تعارف الناس على أنَّ السلفيين زاهدون بالسلطة ، وأنَّهم سخَّروا أنفسهم للدعوة ونشر تعاليم الإسلام ، وأمتلأت المكتبات الورقية والألكترونية بأطروحاتهم . . . حتى صدقهم الناس . لكن الحقيقة كانت عكس ذلك إلَّا القِّلة القليلة منهم صدقوا في قولهم وابتعدوا عن السلطة.. أمَّا الأغلبية منهم فصارعوا بكل الوسائل للوصول إلى السلطة ؛ في ليبيا مثلاً لم يوفوا بتعهداتهم كما صرح المستشار مصطفى عبدالجليل، وقادوا حروب وتمرد مازال حتى اليوم…!! وفي سوريا رفضوا الانضمام للجيش السوري الحر، وكانوا سبب رئيسي لتمزق المعارضة السورية ونجاح النظام في البقاء حتى اليوم…!! .. وفي الجنوب صارعوا من أجل المناصب (مدنية وعسكرية) واستطاعوا الحصول عليها .
وأنا لست ضد توليهم الوظائف العامة ؛ بل أنا من أشد مشجعيهم على توليها؛ حتى تتشارك كل أطياف المجتمع الجنوبي في إدارة وبناء البلاد أولاً ، وثانياً لأن في ذلك ضمانة وطنية من تسلط توجه سياسي أو فكري على السلطة فيدير البلاد بدكتاتورية وإقصاء للأحزاب والجماعات السياسية والفكرية الأخرى. وحتى خصومهم السياسيين كالإشتراكيين والتقدميين والشيوعيين يرحبون بمشاركتهم في السلطة، ليس من الزاوية حسنة النية التي ذكرتها بل من زاوية المكر السياسي الاستراتيجي ؛ فتولي السلفيون الوظيفة العامة يكشف قدراتهم وإخفاقاتهم أمام الشعب وهذا يصب في مصلحة منافسيهم على المدى الطويل .
لكنَّ مايهمنا هنا ليس توليهم الوظيفة العامة أو عدم توليها ، ولانجاحهم أوفشلهم ….. الذي يهمنا اليوم هي نظرة المجتمع للسلفيين بعد توليهم الوظائف العامة ؛ فالقصور في الثقافة الدينية للمجتمع جعلت الناس تنظر للسلفيين أنهم “الدين الخالص” ؛ وكل أفعالهم وأقوالهم وردت في الكتاب والسنة …. وهذا غير صحيح لأنهم كباقي البشر يصيبون ويخطئون كما قال حبر الأمَّة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (ليس أحد إلَّا يؤخذ من قوله ويترك إلَّا النبي صلى الله عليه وسلم) وقد ورد نفس المعنى بروايات أخرى نسبت للإمام مالك وأخرى لمجاهد رضي الله عنهما . وأبن عباس في قوله يعني أنهم حتى الصحابة يصيبون ويخطئون لأنهم ليسوا معصومين، ولايأتيهم الوحي من الله.. وبذلك يصبح أخوتنا السلفيين كباقي البشر ؛ قد تؤثر فيهم الأهواء والمصالح الشخصية والمحسوبية، وقد يكونون أقل خبرة وكفاءة وقدرة على الوظيفة العامة من غيرهم..
وتصريحاتهم خلال اليومين الماضيين فيما يتعلق بقضية المطار وأنهم يريدون ضرب الفساد والتهريب والسرقة في المطار والموانئ والإتاوات في نقاط التفتيش ليس إلَّا مجرد شماعة للسيطرة على هذه المرافق، فهم أيضاً جزء من الفساد عندما قدموا للتحالف كشوفات فيها عشرات الآلاف من الجنود وهي غير صحيحة، وعندما استلموا أموال وأسلحة بأسم المقاومة الحقيقية وأخذوها لأنفسهم، وعندما أنكروا دور المقاوميين الحقيقيين وكذبوا على التحالف ونسبوا كل الانتصارات لأنفسهم وأقصوا الآخرين لسبب إنهم مع التحرير والاستقلال الجنوبي.. ويكذبون أيضاً على الشعب مثل باقي القوى السياسية؛ فهم حماة الوحدة اليمنية الجدد، يحاربون كل جنوبي ليس مع الوحدة، ويقولون هذا في الكواليس وأما في العلن فهم يطبقون استراتيجيتي (الحيدة والتقية) التي يطبقها الشيعة الإثنعشرية…. وهذه التصرفات جائزة من السياسيين والجماعات والأحزاب السياسية .
ولذلك يجب أن تكون نظرة المجتمع للسلفيين الذين تقلدوا مناصب في حكومات الدول الإسلامية أنهم “سياسيون وليسوا علماء دين” وأنهم أصبحوا جزء مما يسمى (الإسلام السياسي) حالهم حال الأخوان المسلمين .. الفرق بينهم ؛ أن السلفيين “أقصى اليمين” والأخوان “يمين الوسط” وكلاهما (الاخوان والسلفيون) جماعة سياسية كأي حزب سياسي (وسطي ، يساري ، شيوعي ….. إلى آخره.)
وعلى السلفيين بالمقابل تقديم أنفسهم إلى الشعب معتمدين على قدراتهم الإدارية والتنظيمية وبرامجهم السياسية وكفاءة وخبرات شخوصهم وليس لأنهم منبع الدين وحملته وأصحاب الحق الإلاهي بتفسيره وتمثيله . . . فلا كهنوت ولاباباوات ولاقديسين في الإسلام ، واجتهادهم في إدارة البلاد اجتهاد دنيوي وليس وحي من الله .
والله أعلم ،،،،