خرج عفاش الأكبر ذات يوم إلى منطقة خالية في ضواحي صنعاء ليلقي على نجله أحمد درسا في فن قيادة الشعب باتباع سياسة (التدويخ )، فأتى له بشوال مليئة بالفئران وقال أرني يا أحمد كيف تستطيع التحكم بهذه الفئران بأن تطلقها من محبسها بالشوالة ثم تعيدها جميعها إلى مكانها.
فتح احمد الشوال وأطلق الفئران فاندفعت بقوة ذات اليمين وذات الشمال واحمد يتخبط معها فأر ذهب يمينا وآخر شمالا حتى شعر أحمد بالدوار وخر مغشيا عليه وسقط دون ان يتمكن من السيطرة على فأر واحد من مجموع الفئران المتمردة.
سخر عفاش الأكبر من طريقة ولده احمد في ملاحقة الفئران ثم قرصه في أذنه و قال له : تعال وسأريك كيف تسيطر على هذه الفئران ولو كان العدد ضعفها ،وجاء بشوال آخر أكبر من الأولى ثم بدا يهوي بها يمينا ويسارا ويخبط بها مرة بالأرض وأخرى بعرض صخرة ،ثم أطلقها فإذا بها جميعا تترنح ولا تستطيع الحراك وكأنها في حالة سكر ،وبدا عفاش يجمعها واحدا تلو الآخر كما يجمع الجزار الفراخ المذبوح.
بالأمس رأى العفافيش الصغار الذين تربوا في مدرسة عفاش الأكبر حتى الذين يدعون اليوم أنهم قد تمردوا عليه وخرجوا عن طاعته ، انهم بحاجة ماسة لتطبيق تعاليم عفاش في كيفية السيطرة على الشعب في الجنوب وتحديدا في عدن ،فلما فشلوا بداية كما فشل احمد بإتباع طريق السلم في إخضاع هذه الشعب وقيادته الثورية فقد أرتأوا اللجوء إلى طريقة عفاش الأكبر في (التدويخ ) فضربوا بهذا الشعب ذات اليمين وذات الشمال ،وأدخلوه في أزمات متتالية من أزمة كهرباء إلى أزمة وقود إلى أزمة مياه إلى قطع معاشات أو تأخيرها إلى أزمة مستشفيات وعلاج حتى جعلوه يمشي ويترنح ورأسه يدور حتى لا يكاد يستطيع أن يسند ذاته بل وصل به الحال إن يمشي وكل واحد فيه يحدث ذاته.
وكما تمكن عفاش الأكبر من إعادة الفئران إلى داخل الشوالة استطاع العفافيش الصغار ان يدخلوا شعب الجنوب في شوال الشرعية ،وحولوه من غاضب عليها إلى مرحب بها وبحكومتها الفاسدة بل أن البعض طالبها بالمجيء باعتبارها المخلص والمنقذ من هذه المآسي والكوارث التي صنعتها هي ورموزها ورجالها للوصول إلى هذا الهدف الذي وصلوا إليه بعد أن كانت هذه الحكومة على يقين أن عدن لن تستقبلها ولن ترحب بها لو أنها كانت في ظرف اعتيادي يمكنها من التعبير عن رأيها وموقفها.
وبالطبع ليس العفافيش الصغار وحدهم من يطبق دروس عفاش الأكبر فحتى داعمي الشرعية في اليمن والمجتمع الدولي يعملون بجهد لتطبيق هذه السياسة على الجنوب وعلى المناطق المتمردة في الشمال كتعز لتركيعها للقبول بكل بما يراه الرعاة من حلول تفرض بالقوة ورغما عن الإرادة كخيار الدولة الاتحادية ذات الأقاليم الأربعة(المطروح للنقاش بقوة في الكويت) ،حيث يرى هؤلاء بأهمية التلويح بخيار التجويع والحرمان من كل شي في الجنوب وخيار الحرب والقتل والحصار في تعز باعتبارها الوسيلة الضامنة لقبول هذه المناطق بأي حلول أو ليتحقق لها الخلاص من المآسي التي تعيشها.
لقد ترك عفاش السلطة الرسمية لكنه ترك للعالم آلاف العفافيش الذين نهلوا من ثقافته في الداخل والخارج حتى من أولئك الذين يدعون كراهيته ولكنهم يمارسون أساليبه الدنيئة في تركيع الناس باستهدافهم في قوتهم و مصادر حياتهم اليومية اعتقادا منهم انهم يمارسون عملا سياسيا في حين أنهم لا يمارسون سوى الدناءة والحقارة بأبشع صورها.