سنغافورة ... لماذا نجحت وفشل العرب؟

2016-06-07 12:35
سنغافورة ... لماذا نجحت وفشل العرب؟
شبوه برس - متابعات

 

عندما استقلت سنغافورة عن بريطانيا عام 1963 كان العديد من الاستقلالات العربية قد أُنجز ومضى عليه بضعة عقود. بل إن دولاً مثل مصر والعراق وسورية والمغرب والأردن كانت قد ترسخت أنظمتها واقتصاداتها، ومصر تحديداً من بينها كانت تقوم فيها جوانب نهضة واعدة من الصناعات الثقيلة إلى صناعة السينما.

اليوم يصل الناتج القومي العام لهذا البلد الصغير بملايينه الخمسة والنصف (ومنهم 40 في المئة أجانب) الى 308 بلايين دولار متجاوزاً نظيره المصري حيث عدد السكان يفوق سنغافورة بـ 15 ضعفاً.

 

وتتقدم دول العالم في معايير التنمية الإنسانية سواء في التعليم أو الصحة الأولية او انخفاض نسبة البطالة. كما تتصدر المدن الأكثر جذباً للاستثمار والكفاءات، والمستقبلة للتكنولوجيا الحديثة، إضافة إلى امتلاك الغالبية الكاسحة من السكان بيوتهم. الكفاءة والنظام والنشاط هي بعض من العناوين التي يراها الزائر، مُضاف إليها لطف الناس وتواضعهم وترحابهم.

 

لا تتوقف قصة النجاح السنغافوري عند الاقتصاد وإن كان هو عنوانها. فهناك أيضاً عبقرية السيطرة على التنوع الإثني والديني الذي كان يحبل بكل انواع الانفجارات عشية الاستقلال، ويهدد بمواصلة انفجاراته ليشل البلد وسكانه عقوداً طويلة. عوض ذلك تحول هذا التنوع الى مصدر قوة وقُلمت أظافر الشوفينيات القومية والدينية وصهرت في مشروع المواطنة السنغافورية.

 

يتوزع الناس هنا إلى من هم من أصول صينية (74 في المئة من السكان)، ومالاوية (مسلمة) 14 في المئة وهندية 9 في المئة اضافة الى مجموعات اخرى أقل عدداً. في وسط المدينة القديمة تتجاور الجوامع والمعابد الهندوسية والبوذية في شكل أخاذ.

 

قائد الاستقلال وباني نهضتها لي كوان يو كان من الغالبية الصينية لكنه رفض سيطرة الغالبية على الأقليات وصمم على تأسيس مواطنة سنغافورية تساوي بين الأفراد. نحى ايضاً إغراء التبعية والولاء للصين الكبرى الوطن الأصلي له ولغالبيته. رفض منطق الغالبية والأقلية وانهمك مع حكوماته في محاربة ذلك المنطق، بل وفي الانخراط في شكل من أشكال «الهندسة الاجتماعية» التي استهدفت تأسيس هوية سنغافورية وطنية جامعة. لم يكن ذلك من دون أكلاف طبعاً، ذلك أن الالتزام المتشدد ولد اتهامات بالديكتاتورية والسلطوية الأبوية. لكن الماضي الطويل للسيطرة الكولونيالية البريطانية على جنوب شرقي آسيا والتي كان من ضمنها ثلاث سنوات ماحقة من الاحتلال الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، من 1942 إلى 1945، عزز في توليد نزعة استقلالية عميقة وراديكالية عند نخبة الاستقلال، وعلى رأسها كوان يو نفسه، في الإصرار على تخليق ولاء وطني يهمش كل الولاءات الأخرى.

*- متابعات