يوجد فارق بين الأحكام الفردية (الفتاوى) والأحكام الحكومية (الولاية).
*- شبوة برس – السفير سامح عسكر
فالفتاوى تتعلق بالعلاقات الشخصية بين الشيخ والله، بينما تتعلق الأحكام الحكومية بإدارة المجتمع وتولي شئونه ورعاية المصالح العامة.
على سبيل المثال، قد يعتقد شيخا ما بجواز أو عدم جواز معاملات البنوك، لكن الحكومة غير ملزمة بتنفيذ هذه الفتاوى، بل تخضع لرأي البرلمان والحكومة والرئيس، والذين يستندون في رأيهم على مصالح العامة والمستندة هي الأخرى على آراء علماء الاقتصاد وخبرة الدولة والعالم في البنوك منذ أكثر من 100 عام.
هذه القصة باختصار
إذا أرادت الحكومة أن تخضع الدولة لفتاوى الشيوخ فستعاني من فوضى فقهية وتشرذم في نظام التشريع والتنفيذ، فكل مفتٍ له رأي خاص وإدراك خاص ومعلومات خاصة ونفسية خاصة وأسلوب خاص وتذوق خاص ومصالح خاصة..
هذا يثبت أن الأصل في الفتوى (الخلاف والشقاق) وهذا ما لا ينبغي أن يحدث في التشريع والقوانين، حيث يتطلب القانون تشريعات حاسمة لضبط المجتمع ورعاية مصالح المواطنين، وعدم ترك النصوص لتفسيرات رغبوية أو أن تصبح - كما يريد المتشددين - كل فتاويهم ورغباتهم وقناعاتهم ملزمة للمجتمع بكافة تنويعاته..
مختصر الكلام أن الدولة الحديثة هي نظام حكومة ولائية وليس نظام فتوى، وفي هذا النظام ليس للسلطات الدينية إلا دور محدود في توجيه أتباعها في مجالاتهم الخاصة والشخصية، ولكن دور الحكم وإدارة البلاد محجوز للسلطات الثلاثة الكبرى (رئاسة + برلمان + حكومة)، وفي هذا الصدد فإن السلطات الدينية ملزمة باتباع آراء السلطات الثلاثة لا العكس..
هذا يعني أن أي صعود لنظام الفتوى في القوانين يشكل خطورة على الدولة والمجتمع، فهو يقلص تلقائيا من صلاحيات السلطات الثلاثة، ويعطي دورا كبيرا للأفراد على حساب ممثلي الشعب في البرلمان والحكومة (فاشية دينية)، ويرفع من شأن المتشددين دينيا والجهلة على حساب العلماء والمتخصصين في الإدارة المعاصرة، وهي إدارة مختلفة كليا عن الدولة الدينية التي يحكم بها نظام الفتوى الذي لم يغادر بعد حياة وثقافة وشئون ومصالح الناس في القرون الوسطى،