الوحدة حق خالتي نورية احسن (1)

2016-05-17 19:20

 

الشاهد أن اليمنيين خلال السنتين الأولى من عمر الوحدة المباركة خرجوا الى الحياة مثل " الشضويات " بعد المطر. واختلط الدان بالبرع والشرح مع الباله والبخور مع الجنبية والزربيان مع السلتة والفتة وحملت التعددية السياسية معها انتعاشا للحريات وشاهدنا التنوع في الألوان والأزياء والوجوه والوجبات ، وتنقل اليمنيين بين الشطرين بقلوب مفتوحة على الحياة ومن دون نقاط تفتيش تجعثك يوم كامل في منفذ الشريجة – كرش ، ولأول مرة توصل خالتي "نورية" من عدن الى تعز ومعها سلة خزف في داخلها سمك "باغة" مقلي بالزيت أكلناه وهو حامي ، وعادت الى عدن ومعها قات "صبري" وصل عدن "طري".

 

كان طريق تعز عدن ايامها مثل الطريق الى الجنة .وكانت خالتي نورية في ذلك الخط مثل "البراق" تنقل الناس والأفكار وفي مرات كثيرة كان بيت جدي "حسين" في الحجملية يمتلي أطفال ونسوان ورجال لعوائل جاءوا – مع خالتي نورية- من البريقة وكريتر والمعلا والتواهي والمنصورة والشيخ عثمان لتعلى الشمال . وفي مرات كثيرة كنا ننزل عدن عدن وبيت خالتي "نورية" ملان بعوائل جاءت من تعز وصنعاء وإب والحدا وهمدان ليتعرفوا على عدن .

واللي جو مع خالتي من الشمال عملوا لهم غطسة في ساحل الغدير ورجعوا قراهم ومدنهم وهم مبسوطين يرددوا " والله انها أحسن وحدة" . واللي كانوا يطلعوا مع خالتي من عدن الى تعز يعودوا الى بيوتهم في الجنوب مبسوطين بالهواء والبرود ويقولوا " والله أنها أحسن وحدة".

 

على يد خالتي نورية نفسها تزوج أكثر من 40 شمالي من عدن بينهم أخوتها الإثنين وأختي "سيناء" وتزوج على يدها ايضا أكثر من 20 جنوبي من الشمال بينهم إبنائها الإثنين وعرف سائق البيجو "سيف الحوباني" لأول مرة في حياته مامعنى العنوان . وكان هذا الأخير سائق و"طبل" يجلس في الشمال يدور عنوان صاحب الرسالة لما يفتك راسه وهو يسير على خطى عنوان مكتوب على نحو: اوصل لاعند قسم الشرطة وادخل يمين بتحصل دكان يبيع "فحم" ادخل من جنبه وارجع شمال بتحصل مطبات جنبها نزله ادخلها بتحصل بعدها ثلاثة ازغاط ادخل الزغط المحفر وبتلاقي جهال يلعبوا قلهم اين بيت فلان .وفي تلك المرة حمل "سيف" معه كرتون حلاوى من الراهدة هدية لعائلة تسكن في البريقة ، شارع الرصافي اخر شارع فيصل منزل رقم 8 ولما وصل بيسر وطرق الباب ، فتحت له خالتي نورية وقال ايوااااه هذه بلاد قلك جنب بيت فلان بعد الورشة.وبعد سنة من زياراته المتكررة تزوج سيف من عدن وقال لأم اولاده في البلاد : أنتي الكل بالكل وهذه بس منسب تتعزز الوحدة .وفي السنة الثانية زوج سيف إبنته الكبيرة "منيرة"على موظف في "المصافي" وعزم اهل البلاد ليحضروا الزفاف في عدن وقلهم وهو مطمئن ان محد منهم شيضيع وهو يدور العنوان ، يومها وضعت خالتي نورية المكياج لأميرة وزفوها فوق البيجو وسيارات مشقدفة خلفها من نادي" كميتي هول" على مقربة من شاطيء الغدير الي شارع الرصافي منزل رقم (8) واتذكر جيدا كم كانت أميرة تشعر يومها بأنها أميرة وكم رقص سيف كالطفل بعد أن ندع خمس زجاجات صيرة . كان مبسوطا وضحكته المصحوبة بلمعة سنة ذهب تظهر الإمتنان الى الله وعيونه تقول للأعمى : الله محسن الوحدة حق نورية".

 

بعد توقيع اتفاقية التنقل بين الشطرين بالبطاقة الشخصية سنة 1989 زرت عدن وأخذت معي أصحابي حق الحارة "خالد وعدنان وعصام ونضال" وجلسنا عند خالتي نورية .كنا شبان مراهقين حبينا الخمسة واحدة من الجيران ، والخمسة كتبنا لها رسائل غرام وردت علينا الخمسة برسائل فيها بنفس اللطف و"أرتبشنا " ومادريناش هي من تحب بالضبط ،واغلب الظن أنها كانت تحب الوحدة حق خالتي نورية وتنظر الينا بوصفنا جن هبطوا عدن من كوكب بلا ظفائر .

تعيش خالتي نورية في عدن منذ العام 1968 رفقة زوجها "عبده علي" وهي من مواليد تعز لأب من وادي ظهر بصنعاء وأم من العدين وزوجها من " الصلو" وعبر ها امتد الحبل السري بين الشمال والجنوب . وهي الان في عدن ونحن في تعز وطريق الجنة القديم اصبح موحشا ومليئا بالكراهية وبالأحقاد .وسيف الحوباني حزين يقولي " والله ان الوحدة حق خالتك نورية أحسن الف مرة من هذه الوحدة المعمدة بالدم .

----------------------------

* فكري قاسم - موقع العربي