السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة وفرسَانُ دعوة الإسلام
بقلم/ د. محمد أبوبكر باذيب
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين. وإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي ترك أمته على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد؛ فإن من أعظم مقاصد الشرع المطهر، ومن أهم الأمور التي نزلت بها شريعة الإسلام، أمر الله تعالى بوحدة الصف، وجمع الكلمة، وعدم التفرق، ونبذ العصبيات القبلية والتنابز بالألقاب، والآيات الكريمة كثيرة في هذا الصدد، قال تعالى: ﴿وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾[الأنبياء: 92]، وقال سبحانه: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾[يوسف: 108]. ولا شيء أعظم بعدَ الإسلام من الاستقامة والاتباع، وموالاة أهل الإسلام، ومحبتهم، والحرص على وحدة صفهم، والذب عن حرماتهم، وإشاعة الحق وإظهاره لمن خفي عليه منهم.
وهذه سطور في بيان حق أبلج، لدفع باطل لجلج، دفعني لكتابتها ما رأيته من واجب البيان، وقطع تخرصات اللسان والبنان، الذي اشتط من بعض الناس، تجاه قوم أتقياء مخبتين، وعشيرة عرفت بكثرة العلماء والصالحين، ترعرع في بيتهم الدين، وعرفت بهديهم وسلوكهم مشارعُ التقوَى واليقين، في أمصار المسلمين، لدى المتقدمين منهم والمتأخرين. الصادق فيهم قول القائل:
أولئك القَومُ إن عُدُّوا وإن ذُكِرُوا ومن سِواهُمْ فلغْوٌ غيرُ معْدُودِ
مقالي هذا، يكشف النقاب، لمن لا يعلم، عن تلك العقائد الصافية، والأقوال الشافية، للسادة الأشراف، آل باعلوي الحضارمة الحسينيين السنيين الشافعيين، الذين ألوية شرفهم غدت خافقة، وشموس علومهم ودعوتهم لم تزل في كل قطر شارقة، وما من بلد في شرق الأرض وغربها إلا وفيها منهم جماعات يقيمون الشريعة الغراء، ويرشدون الناس إلى الطريقة الواضحة التي هي من الشوائب نقية خلصاء.
وفي تعَبٍ من يجحَدُ الشمْسَ ضَوءَها ويجهَدُ أن يأتي لها بِضَريبِ
تلك العقائد الصافية التي بينها الإمام المجدد عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1132هـ) في قوله: «اعلم أن التوحيد أعظم النعم، وأكبرها، وأنفعها لأهل الدنيا والآخرة. فعلى من أنعم الله به عليه، وأكرمه به، أن يعرف قدر نعمة الله بذلك، وأن يسعى في حفظها، ودوام الشكر والاغتباط بها، وأن يجتهد في تقوية توحيده، وثباته، وتأكيده، بملازمة الأخلاق الحسنة، والأعمال الصالحة، والطاعات الخالصة، التي هي من فروع التوحيد، وثمرات الإيمان»(1).
أصول نسب السادة آل باعلوي الحسينيين:
السادة آل باعلوي، قطنوا في وادي حضرموت منذ القرن الرابع الهجري، بعد قدوم جدهم السيد الإمام المهاجر أحمد بن عيسى بن محمد النقيب بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن السبط الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، وصلى على مشرفهم سيد المرسلين أبي القاسم الأمين، وأبي الزهراء البتول أم الحسنين، وزوج الكرار الأنزع البطين. وكانت هجرة السيد المهاجر الى حضرموت قادماً من البصرة سنة 318هـ، ووفاته سنة 345هـ. وبعد استقراره في تلك الربوع، انتشرت ذريته المباركة، وتكاثرت في الوادي الميمون، وانتشرت في كل مدنه وبلدانه وقراه، ومنهم من هاجر الى أصقاع المعمورة، فكان لهم في مواطن هجرتهم الشهرة الواسعة، والذكر والصيت الحسن.
هجرة السيد المهاجر كانت لمقاصد شرعية، فقد أراد أن يحفظ ذريته في مكان ناء عن الفتن التي أحدقت بأرض العراق، والنيران المشتعلة التي أججتها الصراعات والخلافات السياسية والعقائدية، على حد سواء، بين أهل الإسلام، في ذلك الوقت(2).
شهرة نسب السادة آل باعلوي:
استفاضت شهرة نسب السادة آل باعلوي في أصقاع العالم، والكلام في هذا الصدد يطول.
نسَبٌ كأنّ عليه من شَمْسِ الضُّحَى نُوراً، ومن فلَقِ الصبَاحِ عمُودا
ما فيه إلا سيدٌ من سَيّدٍ حازَ المكارم والتّقَى والجودا
يقول الشيخ القاضي العلامة يوسف النبهاني اللبناني البيروتي (ت 1350هـ)، في مقدمة كتابه «رياض الجنة في أذكار الكتاب و السنة»: «إن سادتنا آل باعلوي، قد أجمعت الأمة المحمدية في سائر الأعصار و الأقطارِ، على أنهم من أصح أهل بيتِ النبوة نسباً، و أثبتهم حسباً، و أكثرهم علماً و عملاً و فضلاً و أدباً. وهم كلهم من أهل السنة والجماعة، على مذهب إمامنا الشافعي، رضي الله عنه، مع كثرتهم إلى درجةٍ لا يقلون فيها عن مائة ألف إنسانٍ، و مع مجاورة بلادهم، و هي بلاد حضرموت بلادَ الزيدية، و مع تفرقهم في سائر البلاد، ولاسيما بلاد الهند. أما علماؤهم الكبار، و أولياؤهم الأخيار، أصحاب الأنوار والأسرار، في هذا العصر و ما تقدّمه من الأعصار، فهم أكثَر وأنْوَر من نجوم السماء، بهم يحصل لكل من اقتدى بهم الاهتداء، و لا يمتري في صحّة نسبهم، وكثرة فضائلهم ومزاياهُم التي تميزوا بها عن الأنام، ببركة جدهم عليه الصلاة و السلام، إلا من قلَّ حظّه في الإسلام»(3).
ولا يفوتنا هنا أن نورد كلمة عظيمة، كتبها أحد علماء البلد الحرام، وهو الشيخ العلامة القاضي جعفر بن أبي بكر اللبني الحنفي (ت 1342هـ) في كتابه «الحديث شجون»، ونقلها عنه من أتى بعده من مؤرخي مكة المكرمة، كالعلامة الشيخ عبدالله غازي المكي في تاريخه الكبير «إفادة الأنام». قال الشيخ جعفر رحمه الله: «وأكثر السادة قاطن مكة والمدينة هم آل باعلوي، الذين انتشر ذكرهم في حضرموت، ثم صاروا يقدمون من حضرموت إلى مكة والمدينة وغيرهما من بلاد الله، وهم من نسل الفقيه المقدم، وهو من ذرية [أحمد بن] عيسى المهاجر، وينقسمون اليوم إلى: سقاف، وعطاس، وحبشي، وجفري، وما أشبه ذلك، فهؤلاء السادة هم المُسَلَّم لهم، لحفظ أنسابهم، وهم المعروفون عند نقيب السادة في مكة والمدينة، ولا يكون نقيب السادة في مكة والمدينة إلا منهم، وهم تضبط مواليدهم أينما كانوا، وتحصر أسمائهم وتحفظ أنسابهم على الطريقة المعروفة عندهم، لاقتسام وارداتهم من أوقاف ونحوها. ومن عداهم من كل من انتمى إلى النسب الطاهر سواءً كان مصرياً أو شامياً أو رومياً أو عراقياً، فإنهم على كثرتهم لم يُسلّم لهم؛ لعدم ضبط أنسابهم على قاعدة مسلّمة عند الجمهور، غير أن بعضهم تقدم معه قرائن يحصل بها بعض الظن على صدق مدعاه، وإن لم يكن بحيث يقيد بدفتر السادة آل باعلوي»(4).
* يتبع الجزء الثاني على الرابط التالي : أضغــــــــط هنـــا