بناء معبد هندوسي في ابوظبي

2015-08-20 14:41
بناء معبد هندوسي في ابوظبي
شبوة برس - متابعات - ابوظبي

 

كنت في يوم من الأيام قد حملت معي كتاباً بعنوان (أحكام المعابد .. دراسة فقهية مقارنة) وأنا في بلاد غير مسلمة أصلي في مسجد للمسلمين، في بلاد لا يشكل فيه المسلمون رقماً يُذكر حتى أدونه في المقال، ورغم ذلك فقد كانت رئيس جمهورية إيرلندا تحرص على حضور احتفالات المساجد بين الفينة والأخرى، وترسل من يمثلها تمثيلاً لائقاً إذا لم تستطع الحضور، وكان المسلمون على قلة عددهم يُستشارون في القوانين التي قد تمس حياتهم مع كون العملية الديمقراطية ستجعل من أي اعتراض للأقلية المسلمة لا يُحمل على محمل الجد ولا يُلتفت إليه أصلاً، فلا هم قوة أغلبية ولا هم قوة ومرجحة، ولا هم أيضاً قوة تستطيع ممارسة أي نوع من أنواع الضغوطات السياسية أو الاقتصادية، بل كثير منهم يأخذ الإعانة الشهرية قبل صلاة الظهر، وبعد الصلاة يُحدث من حوله عن حكم البدء بالسلام على الكافر.

 

في يوم من الأيام أخبرتني سيدة العائلة التي كنت أعيش معها أنها وقعت عريضة احتجاجية على عدم السماح ببناء الكنائس في إحدى الدول المجاورة، مع أنكم تبنون مساجدكم في أي مكان شئتم من بلادنا؟ فحاولت أن أقلب الطاولة عليها بالحجج الحمقاء التي كنت أحفظها وهي أنك يا سيدتي كبروتستانتية ممنوعة من بناء كنيسة تخص مذهبك في الفاتيكان الكاثوليكي فكيف ببناء مسجد فيه!؟ قالت لي تلك بقعة لا تتجاوز مساحتها 0.44 كم مربع وليست دولة ولا أقاليم بأكملها!؟ فقلت لها لا يدخل جزيرة العرب دينان، وتمكنت من الفرار من الطاولة بكل خفة قبل أن تسألني السيدة عن هذه البقعة الجغرافية التي لا وجود لها في الخرائط الحديثة.

 

لو سألتني عن جزيرة العرب التي لا أعرف لا حدودها ومساحتها ولا القصد منها، فماذا سأجيب؟ هل أخبرها أن مؤرخينا وجغرافيينا وفقهائنا أنفسهم لم يتفقوا على تعريفها؟ فمنهم من قال هي الجزيرة التي تشمل جزيرة العرب التي نعرفها اليوم والمحدودة بالبحر الأحمر والخليج العربي وبحر اليمن، أما الشافعي فخصها بمكة والمدينة واليمامة واليمن، ومالك وأتباعه لهم أربعة آراء فيها، وأحمد نُقل عنه مثل ذلك العدد من الروايات، وكل ذلك الاختلاف هو بسبب تعارض الروايات مع التاريخ، فقد كان في زمن عمر بن الخطاب - في ما يسمى جزيرة العرب- نصارى بنو تغلب - يؤدون ضِعف قيمة الجزية - و يهود -عجزوا عن دفع الجزية- ومجوس - قتل أحدهم خليفة المسلمين في عاصمته - يقطنون "جزيرة العرب" والتي من المفترض أن تكون محرمة على المشركين.

 

ولو انتقلنا لتفاصيل الكتاب الذي تحدثت عنه في بداية المقال فسترى عجباً، وإن استمعت إلى كلام من يبرر ذلك فستزداد عجباً أضعافاً مضاعفة، فبعد تجاوز القوانين الفقهية الكلاسيكية الصارمة في بناء المعابد، فإن بعضهم اصطدم بواقع وجود المعابد، فبدأ يسن قوانين أخرى منعاً لتوسعتها لأن عدد أتباع هذا الدين لا ينبغي أن يزيد مع مرور الزمن لأنهم لا يتناسلون ولا يتكاثرون كبقية البشر! ولا ينبغي، مثلما يقول آخر، مساعدتهم في بناء المعبد أبداً حتى ولو بتوفير كيس من الإسمنت أو عمود من الخشب، ولا ينبغي إظهار الشعارات والرموز على المعابد، ولا يجوز إرشاد أحد إلى طريق المعبد لأنه كالإرشاد إلى الخمارة أو بيت الدعارة.

 

إذاً من الأخير، هذا المعبد ما هو إلا غرفة مستطيلة خالية من الملامح ومنزوية في أحد أطراف البلد، لكن هل هذا ما تشاهدونه في كنائس القدس التي دخلها عمر يوم الفتح؟ أو ما تشاهدونه في كنائس مصر والمغرب وأوروبا التي دخلت الإسلام مبكراً؟ أو ما تشاهدونه في معابد غير المسلمين في بلاد الرافدين وما وراء النهرين والهند وأطراف الصين التي حكمها المسلمون؟ لقد كان القدماء أكثر واقعية من الحرفيين النصيين الذين نعرفهم اليوم والذين انتشروا انتشار النار في الهشيم فأخرجوا في الإعلام المرئي للعالم أسوأ ما ظنوه من الإسلام.

 

فلنكن واقعيين مع أنفسنا ومتجردين لديننا وإنسانيتنا، هل يمكن أن يكون رأي أحد منتسبي الإسلام هو رأي الإسلام بحد ذاته؟ وهل نطالب غيرنا أن يبني لنا مسجداً في داره ولا نقبل أن يبني معبداً لدينه في دارنا؟ أين نحن من الآية التي دافعت عن وجود "صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً"، وبعضنا يدافع عن وسائل هدمها ومنعها والحد من انتشارها، وكأن دينه سيتهاوى بصليب معلق في كنيسة، أو تمثال شاهق في معبد.

 

لذلك كله، كانت خطوة دولة الإمارات في بناء معبد هندوسي في عاصمتها عين الصواب، وفقه الواقع، وعنوان التسامح، بل ثقة في المستقبل وانسجاماً مع تعزير الحوار بين أتباع الأديان، ولا يلتفت إلى جحافل المثبطين الذين تجاوزهم الزمن القريب منذ زمن بعيد.

 

* د عمر الحمادي - موقع 24