وأقبح النصر نصر الأقوياء بلا فهمٍ

2025-07-14 20:43

 

خلال عقود، توهّمت قوى الهيمنة الزيدية في صنعاء، سواء كانت تحت عباءة الإمامة، الجمهورية، الوحدة أو الحوثية، أن إخضاع الجنوب هو انتصار لمركزهم المقدس، وأن كسر إرادة شعب الجنوب يمثل انتصارًا للهيمنة الزيدية. لكن الحقيقة، التي حاولت تلك الأنظمة والجماعات اللادولتية، حوثية كانت أم إخوانية أن تخفيها خلف خطابها القومي أو الديني أو الوطني، هي أن ما جرى ويجري من أفعالها ليس إلا هزيمة مؤجلة لمشروع وُلد ميتًا ليس فقط في الماضي بل أيضًا في الزمن الحاضر، لأنه يراهن على الغلبة لا الشراكة، وعلى النهب لا العدالة، وعلى التبعية لا السيادة المشتركة بين الشعبين.

 

الانتصار الحقيقي لا يكون على الشعوب، بل معها. أما حين تتحول الأنظمة والجماعات الفاعلة خارج إطار الدولة إلى قوة قمعية ضد جزء ممن تحكمهم، كما حصل مع الجنوب منذ اجتياح 1994م، فإنها تفقد مبرر وجودها الأخلاقي والسياسي. فما الذي جناه اليمنيون واليمن الموحد من ذلك النصر القبيح؟

 

الفساد استشرى، الحروب تعاقبت، لا هوية وطنية جامعة جديدة تشكلت، بل تمزق نسيجهم الداخلي مذهبيًا وقبليًا وتوحّد الجنوبيون.

 

الجنوب، مهما يحصل الآن من حرب خفية على شعبه، فقد خرج من بين الركام أكثر إصرارًا على استعادة هويته وبناء دولته، بعدما خبر سنوات من التهميش والإقصاء والنهب المنظّم من قبل اليمنيين، تحت شعارات الوحدة أو الموت.

 

فما أشبه اليوم بالأمس. اليوم، يتكرر المشهد بأدوات جديدة: ميليشيات لادولتية مسلّحة عابرة للحدود تدّعي الوطنية وهي تتربع على تراث عنصري وقح، تعمل على تفكيك ما تبقى من نسيج اجتماعي داخل اليمن؛ وشرعية فاقدة للشرعية، تقاتل لاستمرار امتيازاتها لا لتحرير صنعاء ولا لبناء وطن؛ ومشاريع أخرى إخوانية عابرة للحدود تسعى لإعادة إنتاج المركز المتسلط في صنعاء بوجه آخر لا تفكيكه تحت قيادة المرشد.

 

إن من يظن أن إعادة السيطرة على الجنوب، أو حصاره سياسيًّا واقتصاديًّا، يمثل انتصارًا يمنيًّا، لا يدرك أن ذلك يوسّع هوة الانقسام، ويقود إلى تمزيق ما تبقى من الروابط بين الشعبين في اليمن والجنوب. لأن هذا ليس طريق وحدة أو تعاون، بل وصفة صريحة للصراع والحروب المستدامة.

 

المشاريع الوطنية لا تُبنى على القوة، بل على الاعتراف بالحقوق العامة، والتأسيس لشراكة عادلة، والقبول بالتعدد كشرط من شروط البقاء. لذلك، كل محاولاتهم لقمع صوت الجنوب أو تطويعه بالقوة باءت بالفشل، وستُسجّل في التاريخ كهزيمة أخلاقية وسياسية لمن يدّعي من اليمنيين الانتصار.