انشغلت كثيراً وسائل الإعلام الأمريكية بصورة مصافحة ولي العهد الأمير محمد بن نايف بالرئيس الأمريكي باراك أوباما في أثناء استقباله بالبيت الأبيض، حالة الانشغال الأمريكية لها مسبباتها، وحالة التأمل تستحق أيضاً البحث فيها من خلال معطيات ما القمة الخليجية الأمريكية في كامب ديفيد التي تسبق الأمتار الأخيرة من موعد الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران حول ملفها النووي، كما أن الارتهان بين جنبات الواقع السياسي توشك أن تخرج للظهور العلني.
القراءة في السياسة السعودية تاريخياً تعيدنا إلى العام 1979م، ففي هذا العام ظهرت الثورة الخمينية في الضفة الأخرى من الخليج، وكانت مرحلة سياسية مهمة في السعودية التي تعاملت معها ومع أحداث توالت في العام 1990م بغزو العراق للكويت، ثم هجمات سبتمبر 2011م على أساس (امتصاص) الأحداث واحتوائها والتعامل معها بحساسية الظرف التاريخي وكذلك الموضعي، وهو ما أتاح فعلياً للإيرانيين مساحة واسعة جداً للتأثير في الشرق الأوسط وبشكل أدق في الضفة الغربية من الخليج العربي.
أوشكت إيران أن تعلن نهاية مارس 2015م وصولها إلى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، وكان هذا الحدث يوشك تماماً أن يؤكد سيطرة إيران المطلقة على ضفتي الخليج شرقاً وغرباً، ولم تكن تلك التصريحات المستفزة للمسؤولين الإيرانيين عن سيطرتهم على العواصم العربية الأربعة بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء غير مقدمات لحالة سياسية مقبلة على العالم وعليه أن يتعامل مع هذا الواقع الذي كان يستشرف من أطراف مختلفة لم تملك قدرة لمعارضته بما في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي نتينياهو الذي زار واشنطن دون أن يستطيع إحداث التغيير الممكن فيما كان قادماً.
ما حصل هو أن حقبة الملك سلمان بن عبدالعزيز هي المتغير في العالم، فصعود الجيل الثالث من الأسرة السعودية للحكم في ولاية العهد، والشخصية التي تشكل الملك سلمان كانت المؤشر الذي أصبح حقيقة كاملة فجر يوم الخميس 26 مارس 2015م مع بدء عملية «عاصفة الحزم» التي شكلت التغير الأهم في الشرق الأوسط والعالم، وبعيداً عن كيفية تشكيل التحالف الدولي فإن الأهم هو قراءة أن الرياض قررت أن تحدث تغييراً جذرياً في شكلها السياسي الذي عرفه العالم على مدار أكثر من ثلاثة عقود.
السعوديون يدركون المرحلة، ويدركون بوضوح مسؤوليتهم تجاه حماية وطنهم وتأمين محيطهم الإقليمي، ومن المؤكد أن مراجعة حصلت أحدثت هذا التحول الأهم في التاريخ السياسي المعاصر، وأن التعاطي مع هذه المرحلة برغم ما تحتمله من القسوة والشدة هي ضرورة حتمية لمواجهة الخطر الإيراني، وعلى ذلك فإن ما أحدثته الرياض من خلال «عاصفة الحزم» له أبعاد عميقة في الطرف الآخر وهو بشكل واضح وصريح الإيرانيين ومن ورائهم الأمريكيين، فإذا كان الموروث الإيراني بإحكام السيطرة على الخليج عبر انتزاع (شرطي) المنطقة عبر الولايات المتحدة هو المتحكم فيما سبق 26 مارس فإننا بكامل الإدراك السياسي نرى أن حجم التحول بين الكفتين، بل إن الإيرانيين الذين رحلوا اتفاقهم النووي إلى نهاية يونيو 2015م أصبحوا في موقع المدافع رغماً أن حلفاءهم يتلقون ضربات قاسية من كهوف مران في صعده إلى القلمون في ريف دمشق، فالمشهد لا يكون سوى هكذا، ولا يمكن قراءته بغير هذا.
التبعات على هذا التحول السياسي تحتاج إلى نفس طويل وروح وثابة، والأهم من ذلك رؤية إستراتيجية تملك التوازن بين ما يمكن التجاوز عنه وما لا يمكن، لذلك نتفهم الدعوة للرئيس الأمريكي أوباما لزيارة الرياض بعد عام من قمة كامب ديفيد، وهي بالحسابات الزمنية تعني عاماً كاملاً على اتفاق (هش) ستحصل عليه طهران، وتسبق خروج أوباما من البيت الأبيض نهائياً بستة أشهر، هذا يعني أن للرياض أدوارا أخرى تلعب في ملاعب تتجاوز الشرق الأوسط، وهذا ما يحمل دلالة أن احتمالية التوازن النووي متاحة مع أطراف دولية أخرى تبرز على رأسها فرنسا.
«معركة عدن» كانت مجرد معركة في هامش معركة أكبر هي «اليمن» والذي هو بكل اعتلالاته محطة من محطات أخرى على السعودية أن تخوضها لاسترجاعها من القبضة الإيرانية، وهذا جهد واسع وطموح كبير ليس للرياض اختيار فيه بقدر ما هو قدرها بحكم تكوينها وموقعها والمطلوب منها، ولا يمكن أن تتراجع فقد قررت المضي في بناء التوازن السياسي على قاعدة تأمين المصالح الكبرى للأمة العربية والإسلامية، وهذا هو الدور الذي انكفأ في سنوات مضت إلا انه عاد من الباب اليمني، وعلى وسائل الإعلام في أمريكا أن تفهم لماذا يد السعودية هي العُليا..!!