عندما يمر على مسامعنا، مسمى -كامب ديفيد-فنحن نتذكر مؤتمرالسلام الذي امتد الى 12 يوما في هذه المنتجع الرئاسي القريب من واشنطن ، والذي لا يدعى له الا كبار الشخصيات واهمها في العالم . ولقد وُقعتْ أتفاقية السلام في 17 سبتمبر 1978م في هذا المنتجع ،وسميت -إتفاقية -كامب ديفيد- ووقعها يوم ذاك كل من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر والرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجن.
وفي الغد سيلتئم المؤتمر بين كل من الرئيس أوباما وقادة دول مجلس التعاون، ولقد توقفت امام إعتذار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله وأعتذاره عن عدم حضوره هذا المؤتمر التاريخي ، وانتدب عنه كل من ولي العهد وولي ولي العهد وهم ربما اصغر القادة سناً واكبرهم شأناً ،من حيث تمثيل بلادهم التي تشكل عمق المصالح العتيدة الامريكية في المنطقة وهي مصالح وعلاقة ثبتت طوال اكثر من 75 سنة ولم تتاثر الا في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة.
ومن نافلة القول ان نردد ان العتب واضح وجلي بين المملكة العربية السعودية وعموم دول مجلس التعاون الخليجي ،والولايات المتحدة الامريكية ،وهناك منغصات توالت وتكشفت ،منغصات أوهنت هذه المصالح واصابت بشروخ صروح الثقة والطمأنينة ، وهذه الشروخ اثبتتها الأحداث وبرهنت عليها اليوم وبالامس المواقف والمساندات الواهنة .
على قادة الخليج غدا وهم يحضرون هذا المؤتمر ان يضعوا النقاط على الحروف، فيما يتعلق باخلاص أمريكا معهم، وشكواهم المريرة من مواقفها الرمادية التي جعلت المنطقة تعاني الأمرين من خلل امني وعنف وأحترابات . وامريكا -وللأسف- تعالجها بطريقتها ، اي كالذي يعالج السرطان بجرعات من أقراص الأسبرين!
وقد يسال القارىء ويقول ولكن امريكا حاضرة في كل مناسبة ومشكلة في المنطقة ؟ نعم هي حاضرة وشاهدة ولكن ما تقوم بها لا يرقى الى مستوى الاتكال عليها والوثوق بها . فأمريكا لا تستشير الحلفاء و الاصدقاء في اي عمل او مفاوضات في قضايا هي من صميم أمنهم وارضهم ، كما ان امريكا تدافع بكل شجاعة عن حليفتها اسرائيل وهي حليف يأخذ -بنهم - ولا يعطي، بينما الحلفاء العرب يتعاملون مع امريكا بكل سخاء وكرم وصدق.ولكنهم يُعاملون من قبل أمريكا كأولاد الضُرة .
أن المرارات من أمريكا باتعة، فهي تركت ليبيا تلعق جراحها لوحدها ،وكذلك تركت العراق يتفتت ويتشظا ويتمذهب ، ولم تجد باكستان -عافية- منذ ان وطأت قوات امريكا إفغانستان، التي ذهبت اليها أمريكا لتحريرها من بطش القاعدة وانتهت بان جعلت القاعدة وطالبان تتمدد الى باكستان، ولولا يقظة الهند، لكانت الهند وقعت بدورها في هذه الشراك .
ان العرب وبالذات قادة الخليج يدركون ان امريكا قادرة على امور كثيرة وفعالة،على ان العرب عامة ودول الخليج خاصة وهم اكثر صدقاً وثقةً وتضحية مع امريكا وكل الاصدقاء بل شديدي الاخلاص لحلفائهم واصدقائهم فلا يمارون او يبدلون او يراوغوون ، ولكنهم نظير ذلك لا يجدون من قبل اهم حليف وهي امريكا لا يجدون الثبات والاخلاص والمبادرة والجدية في الدفاع عنهم بل ان بعض هموم دول الخليج ومنغصاتهم الامنية تاتيهم من امريكا، وأن ادَّعت امريكا ودافعت في انها تبذل كل طاقتها لدرء الهموم عن دول الخليج .
أن دعوة الرئيس الفرنسي -أولاند- لحضور القمة الخليجية في الرياض لرسالة قوية فحواها ان العتب قائم، من أمريكا ، وان الكلام إن لم يرفده العمل فهو ليس سوى ذر الرماد في العيون .
صحيح ان الانسانية مدانة لامريكا في أمور كثيرة فأمريكا رائدة تحرير، بل ومن تصدَّت للنازية ونرجسيات الدول الاستعمارية وطغيانها . وهي التي امتلكت السلاح النووي الرادع ولم تخضع به العالم ، بل وهي التي وقفت بالمرصاد للتمدد الشيوعي المخيف وعنف وتصدير العقيدة الماركسية التي تسببت في كل تلك الويلات الانسانية من اصقاع سيبيريا حتى غابات فيتنام وسهوب انجولا. ولكن لقد تغيرت امريكا كثيرا وتعلّمت المكر وصارت تفرط باخلص الاصدقاء بل تخذلهم.
وعلى قادة الخليج غدا ان يعتبوا ويغضبوا بل وان يستبدوا في نقدهم لأمريكا، فهم من يعانون ويتعبون ويغبنون ،من علاقة هلامية زئبقية غامضة .
وأستبدُّوا مرةً واحدةً ** إنما العاجزُ من لا يستبدْ