لم نتردد يومًا من الاعتراف بأننا خسرنا معركتنا العسكرية في عام 1994م أمام قوى الظلام الكهنوتي والقبلي الجاهلي. غير أنّ الهزيمة في الميدان لم تكن نهاية الطريق، بل بداية الوعي الذي اخرجنا من وهم اليمننة.
فقد أرادوا أن يسلبونا وطنًا وهوية، وأن يغرسوا فينا شعورًا بالدونية، ليعيدوا تشكيلنا وفق مقاييس المنتصر ومراسيمه. مارسوا ضدنا كل أشكال القهر والإقصاء، ونهبوا الأرض والثروة والكرامة، وحاولوا أن يجعلوا من الجنوب غنيمة حربٍ لا روح لها. ومع ذلك، لم نستسلم.
لم نستسلم عندما تواطأ الصمت والخذلان، وحين ظنّ الطغيان أن الوطن قد دان له، فاستقوى بالمال والسلاح والإرهاب ليكسر إرادتنا. لكنه لم يدرك أن ذاكرة الأحرار لا تُشترى، وأن الكرامة حين تُسلب، تلد ألف مقاوم. كانت خطوات طفلٍ أبينيٍّ صغيرٍ، دهس صورة المستبد عفاش أمام عامة الناس، إعلانًا رمزيًا بأن الجنوب حيّ، وأن الكبرياء لا يُدفن.
لم نستسلم عندما جُففت مصادر أرزاقنا وقطعت مواردنا، وتوزّع أبناؤنا بين المنافي والغربة، وبعضهم سقط شهيدًا على طريق الحرية، وآخرون قضوا بصمتٍ وهم يحملون الوطن في قلوبهم. بقينا، رغم كل ذلك، صامدين كالجبل، مؤمنين بعدالة قضيتنا وبقدَرنا التاريخي الذي لا يُشترى ولا يُغيَّر.ولأننا نعرف من نكون، نعرف أيضًا إلى أين نمضي.
نحن أحفاد ممالك العرب الجنوبية: حمير، وحضرموت، وقتبان، وأوسان، وريدان. جذورنا ضاربة في عمق الأرض، لا تُقتلع ولا تذوي. وعودتنا ليست حلمًا أيديولوجيًا ولا شعارًا طائشًا، بل زلزالٌ تاريخيٌّ قادم، يصحّح المسار لا يكرّر الخطأ. لن تكون عودتنا استعراضًا صوتيًا على شاكلة "قادمون يا صنعاء"، بل تحقيقًا لإرادة شعبٍ يستعيد هويته بوعيٍ وكرامة.
واليوم، لم يعد أمام اليمنيين إلا أن يعترفوا بحقيقةٍ كبرى: نحن شعبان، لكلٍّ منا تاريخه، وهويته، ومستقبله. عليهم أن ينشغلوا بترميم جراحهم، لا بجرّنا إلى ماضيهم الدموي. أما نحن، عرب الجنوب، فطريقنا واضح، وخطّنا بيّن، ومسيرنا ماضٍ بإذن الله نحو غدٍ يُشبهنا. ولا ضجيج دعايتهم، ولا عويل إعلامهم، ولا بكائياتهم السياسية، قادرة على إيقاف مسار التاريخ حين يُقرّر أن يصحّح نفسه.
د. حُسَين لَقْوَّر بَن عِيدان