سعدت كثيرا اليوم عند قراءتي اسم الدكتور عبدالكريم الإرياني، في حوار بجريدة "26 سبتمبر"، فما أحوجنا لقراءات من قامات سياسية كبيرة تفسر ما يعتمل في هذا اليمن، غير أن هذا الشعور تحول إلى صدمة مع قراءتي العناوين.
للجميع الحق في التعبير عن موقفهم السياسية، لكن عندما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية، فاليمنيون بحاجة إلى قراءات منصفة، لا ثرثرات تضيف وقودا لمطابخ الأزمات.
سنحسن الظن حيال تصريحات الدكتور، ونسميها "ثرثرة فيها الكثير من الهفوات"، ولن نكون متشائمين ونقول إن توقيتها يثير أسئلة حرجة.
نقد الدكتور لدور اللجان الشعبية الموالية لجماعة "أنصار الله" في البيضاء، المتعهدة حتى الآن التصدي لخطر الجماعات التكفيرية من القاعدة وغيرها، كان مثيرا للانتباه، لما حمله من تضليل وقراءة غير منصفة.
قال إنه "يرفض خوض الحوثيين معارك بذريعة مكافحة الإرهاب".
وقال إن "الدولة ومؤسساتها هي المخولة بهذا الدور، وليس لأحد أن يقوم بذلك إلا إذا كان جزءًا منها".
وقال أيضا إن "الحوثينن يتقاتلون مع مواطنين يمنيين". ثم استدرك: "هناك بلا شك قاعدة اصطدموا معها في رداع، لكن أن يروا أنفسهم موكلين أو مكلفين، ومطلوباً منهم القضاء على الإرهاب في البلاد، فنحن نهنئهم إذا كانوا قادرين على ذلك... لكن الإرهاب ظاهرة لا يمكن أن تواجه بحركة غير منضبطة وغير منتظمة تتقاتل مع الناس أينما وجدت للقتال مبرراً لها".
مع احترامنا لخبرة ومكانة الدكتور السياسية، فهو كما كثيرين يعتقد أن "مكافحة الإرهاب" تكون مسؤولية مشتركة من الدولة المجتمع فقط عندما تُختزل في ندوات ومؤتمرات ينعق فيها البعض بمتاهات المصطلح وخنادق الأدوات، وتصل في النهاية إلى أن مواجهة الإرهاب لا تُحسم بالقوة، بل تحتاج إلى خطط ودراسات واستراتيجيات لا يصل الناس منها سوى العناوين، فتشتت الجهود وتثبط العزائم، ليبقى اليمنيون عرضة للهجمات الإرهابية وعمليات القتل الجماعي والفردي إلى ما لا نهاية.
ربما الدكتور لا يعرف أن اللجان الشعبية في البيضاء لم ترفع يوما شعار "مكافحة الإرهاب"، ولم تدع القيام بهذا الدور، فهي فقط تصدت لجرائم مجموعة من التكفيريين عاثت في الأرض قتلا وإرهابا وفسادا، وكشفت التطورات ضلوعها بجرائم قتل وإرهاب وتهديد للأمن، كما كشفت مخابئهم وما تحويه من أوكار ومعتقلات سرية وأدوات للقتل والتفجيرات وورش صنع العبوات الناسفة وإعداد السيارات المفخخة وأدوات الإعدام الجماعي والفردي.
ربما لم يشاهد الدكتور الخراب الذي أحدثه التكفيريون في البيضاء، ولم يطلع على أفلام فيديو كثيرة يُفصح فيها الإرهابيون عن صلتهم بالقاعدة، ويهددون فيها الجميع.
الدكتور الإرياني يختزل اللجان الشعبية بمسمى "حوثيين"، ويرفض أن تتولى مهمة الحرب على الإرهاب، ولم يقل لنا لماذا يرفض ذلك، فيما كل بيانات الجهات الرسمية تحض المواطنين على المشاركة، كما لم يقل إن كان يرفض أيضا تدخل طرف خارجي بطائرات من دون طيار، طالما استهدفت المدنيين، وأشاعت الذعر.
قال إن "الحوثيين يتقاتلون مع مواطنين يمنيين"، ولعلها هفوة ولا تعليق، فقد استدرج عبارته بتضليل إذ أقر بوجود القاعدة في رداع: "اصطدم معها الحوثيون" فقط، وكأنه لا يعلم أن هؤلاء الشرفاء طهروا مدنهم من أخطر الجماعات الإرهابية المسلحة الضالعة في جرائم لا تحصى.
الدكتور بدا مستاء من كون اللجان الشعبية "يرون أنفسهم موكلين أو مكلفين القضاء على الإرهاب في البلاد"! ثم يتنبأ بأن "ظاهرة الإرهاب لا يمكن أن تواجه" بما يراه "حركة غير منضبطة وغير منتظمة تتقاتل مع الناس أينما وجدت للقتال مبرراً".
لا تكترثوا لهذه الكيمياء، فما قاله الدكتور كان فقط ثرثرة.
* الأولى