زمان والله زمان

2014-11-24 09:40

 

كنا أيام زمان.. حين كان الزمان لا يقاس بساعات أو دقائق أو ثوان, فلا أحد حينها كان يملك ساعة في يده أو حائط منزله, إلا فيما ندر..

 

في ذلك الزمن الجميل البريء, كانت الأسرة كلها تتحلّق حول الجدة, و يصر الصغير على أن ينام في حجرها, وهي تسرد القصص والحكايات, أو ما كانت تسمى ( سفرة السلطان ), قصة تتلو قصة, و يتساقط أفراد الأسرة صرعى مجندلين بالنعاس, وهي لا تكل ولا  تمل, وقد ينام الجميع وهي مازالت تحكي قصة السلطان و بنت السلطان و يا ذا القطار وأمي عجِيوز وقصص كثيرة مازالت محفورة في الذاكرة الجمعية لجيل ذلك الزمان, وقد يأتي أحدهم متأخرا, فيطلب منها إعادة القصة, فتفعل راضية رغم تذمر بعض المتحلقين حولها..

 

هكذا كانت بيوتنا كل ليلة, لا نمل سماع القصة الواحدة عشرات  المرات و لليالٍ متوالية, وكثيراً ما تحدث النقاشات والاستفسارات والمداخلات أثناء سرد القصص, أو اختلف قليلا سيناريو أو طريقة سردها أو...  عن الليلة الماضية, وهي ترد على الجميع بكل شفافية وأريحية..

 

استمر هذا السمر العائلي الجميل إلى أن جاء عقد الثمانينيات, وحل التلفاز ضيفا ثقيلا على بيوتنا, فتحلقنا جميعا حوله ساهمين  مبهورين, وبدأ دور الجدة يخبو ويتوارى شيئاً فشيئا, وحلت الكراكيس والمسلسلات محل حكايات الجدة..

 

وعلى الرغم من ذلك إلا أنهم كانوا يجتمعون أمام تلفاز واحد على شيء مشترك: مسلسل أو مسرحية أو برنامج أو... يضم الأسرة بعد ذلك أو أثناءه في حوار مشترك أيضاً ..

 

أما اليوم فقد وصل بنا الحال إلى العزلة و الاغتراب, فلم تعد تضمنا الجدة, ولا يجمعنا التلفاز الواحد على شيء واحد, فصار لكل فرد من أفراد الأسرة جوالٌ محمول بين يديه, تجده ممسكاً به باستمرار , مداعباً إياه بأنامله, لا تدري ما يجري بينهما, وما يجري بينه وبين الآخرين في برامج التواصل الاجتماعي وغيرها من البرامج المختلفة, أكان بالصوت أم بالصورة, أم بالصوت والصورة معا, أم بالرسائل النصية أم بالمحادثة أم بغير ذلك..

 

هذه الصور الثلاث للأسرة عندنا, خلال أزمنة مختلفة, تلقي بظلالها وتنعكس تماماً على الشارع والمسجد والمدرسة والمحيط الاجتماعي عامة, فإذا كان هذا حالنا اليوم, فكيف سيصير بعد عشر سنوات مثلاً ؟؟ وهل نحن في المجال الأسري نسير إلى الأمام, أو أننا نتراجع متقهقرين إلى الخلف؟؟ وهل مازال مجتمعنا بذاك التماسك والقوة, أو أن التصدعات والتشوهات و... أخذت تغزوه شيئاً فشيئا ؟ و أسئلة كثيرة تغزو الشفاه باستمرار, تجبرنا على القول دائماً :

 

زمان والله زمان !!