يا بريد المذلة

2014-11-10 09:55

 

في خواتيم كل شهر إفرنجي, تأخذ الأقدام طريقها صوب مكاتب البريد؛ لاستلام رواتبها الشهرية, قبل أن يطرأ أي طارئ, أو يلم بالبريد حادث يؤدي إلى إغلاق البريد أبوابه لأيام أو لأسابيع..

 

يأتي هذا اليوم الموعود بعد طول ترقب وعظيم انتظار, ومعاركة حامية الوطيس يخوضها الموظفون في سوق لا يحكمها سوى قانون الجشع و الاستغلال.. بعدها تبدأ عندنا في غيل باوزير همسات المعلمين المتسائلة في كثير من الأحيان: ( الواشرات وصلت من صنعاء..عادها في المكلا.. لا. أمس وصلت الغيل.. بغت لها يومين في التربية.. وعاد باقي المالية!! ) وكلام كثير عن الإشعار والتعزيز, ومن يوقع على الشيك.. نعم. إنه سيناريو الإذلال الشهري..

 

وحين تدب الأقدام لاهثة على طريق البريد, تدفعها في ذلك قوة الجيوب الفارغة التي تفوق في نظري قوة الوقود النووي الذي يحمل المركبات الفضائية إلى أجواز الفضاء, تعترضهم عقبات كثيرة: ( الإشعار لم يصل.. الخط لم يفتح بعد .. الشبكة مخبوطة...)

وهناك في البريد – كانوا – يدخلون من الباب ويفترشون بلاط صالة ليست بالواسعة, أما الآن فهم ينتظرون خارج الأسوار بين الشمس و الظلال, ويمدون أيديهم من الخلفة  (الشباك), كمن ينتظر حسنة ما..

 

وحين يفتح الخط, خط الكمبيوتر أبوابه المغلقة, قد تبرز عقبات أخرى: السيولة مثلاً أو انطفاء الكهرباء قبل أن يدخل الماطور في الخدمة.. فمنهم من ينتظر عودتها التي لا يعلمها إلا الله, ومنهم من يؤثر العودة إلى داره خائباً, لا سالماً ولا غانماً..

وحين يعود في اليوم التالي: ( العدي خلصت.. انتظروا السيارة.. الآن في طريقها من المكلا....) قصة مملة مذلة تعاد علينا نهاية كل شهر.. أما في هذا الشهر فقد أغلقوا مكاتب البريد في وجوه المعلمين, ومن أراد منهم استلام راتبه أن يتوجه من الغيل والشحر والحامي والديس و........ إلى المكتب الرئيسي بالمكلا.

 

لقد كنا أفضل حالاً وأوفر كرامة قبل أن يُلقى بنا في غياهب البريد.. ثم أُدخلنا فيه بالقوة, عبر صفقات تتم هناك ويستفيد منها المستفيدون.. لقد أًدخلنا بالقوة كي نحيي البريد بعد أن مات أو كاد ..

فيا أيها البريد, إذا لم تكن قادراً على الوفاء بالتزاماتك تجاهنا, فارحل عنا ودعنا.. ويا أيها القائمون على شؤوننا أخرجونا منه سالمين..

أما إذا لم يكن من البريد بدٌ, فعليكم تحسين خدماتكم تجاهنا فنحن الزبائن الدائمون لكم, نمدكم بالدماء والحياة, أثناء الخدمة وفي المعاش.. وفي الحياة وبعد الممات..

 

لهذا لا ننتظر أن يقال لنا اذهبوا إلى المكلا لاستلام رواتبكم, بل ننتظر خدمات سهلة وميسرة, وفروعاً جديدة في مدينة الغيل وغيرها من المدن..

فهل ننتظر أو أن علينا نحن, آلاف الموظفين والمتقاعدين التفكير في بديل آخر أيسر وأسهل؟؟

وإنا لمنتظرون, ما يقرره الموظفون, فالكرة الآن في ملعبهم..