الأزمة الراهنة في صنعاء ليست وليدة لحظتها، تراكمات عدة قادت إليها ابتداء من قلة الموارد، الزيادة السكانية، سوء وفساد الإدارة، عدم الاستقرار السياسي.. إلخ، فمن غير المقبول ثوريا تحميل تبعاتها كليا على ظهر الأغلبية الشعبية، بينما يتفيد المتنفذون بمستنقع الفساد السياسي الموارد المتاحة والمحدودة.
البعد الأعمق للأزمة القديمة الجديدة يتمثل في حقيقته بتخوف الأغلبية الشعبية من استمرار نفوذ الوهابية السلفية السياسية الحاكمة، الشارع المنتفض والهائج في الشمال والجنوب بحاجة إلى من يطمئنه بعدم الذهاب لمربع القتل بالهوية، طمئنة كهذه ترسخها مشاركة الجميع في العملية السياسية مع سيادة الدولة والمواطنة الحقوقية المتساوية، توجه نجاحه مرهون بإعادة صياغة منهاج التربية والتعليم بأبعاد مدنية حداثية بعيدة عن التكفير مع حيادية الإعلام الرسمي، كون لب الإشكالية وبعيدا عن العناوين الفضفاضة يكمن في الاستبداد السياسي والاقتصادي والثقافي الحاكم عبر الفرقة أولى مدرع ومذهبها وأحزابها وإعلامها.
الرئيس هادي يظل محل توافق شمالي وجنوبي قبل الإجماع الإقليمي والدولي عليه، لذلك فالمفترض أن تأتي المبادرات عبره مباشرة، وليس عبر المؤسسات التقليدية بمسمياتها الجديدة: اللجنة الوطنية الرئاسية، هيئة الاصطفاف الوطني .. إلخ، أما نزع فتيل الأزمة فيبدأ أولا بطمأنة الأغلبية الشعبية الشافعية والزيدية أن عصر نافذي الإسلام السياسي الوهابي السلفي الوافد انتهى إلى غير رجعة.
الحقيقة المؤكدة الأخرى أن الاحتجاجات الشعبية في ساحات صنعاء، وحواليها هي بالأساس ضد القوى التقليدية المتأسلمة المتنفذة، لأنها تحركات صادقة وحقيقية كشفت بوضوح استنفاد مهمة المبادرة الخليجية التي قادت أطراف الأزمة اليمنية للحوار، حيث شكلت مخرجات الحوار ودعوته للمناصفة الجنوبية وحكومة المشاركة الواسعة ضمنيا تجاوزا للمبادرة الخليجية القائمة على محاصصة القوى التقليدية وحالة ثورية فتحت الأبواب أمام محورية دور الرئيس هادي في تنفيذ مخرجات الحوار.
كذلك مشاركة الحراك الجنوبي المتواجد في الساحات والبعيد عن هيمنة القوى التقليدية الشمالية جنبا إلى جنب القوى الجديدة التواقة للتغيير الثوري الحقيقي، وبناء الدولة المدنية الاتحادية من إقليمين شمال وجنوب، وإعاقة تنفيذ مشروعه التقدمي تجعل الخيار الأخير له الذهاب للقصر الرئاسي المدور في التواهي، وإعلان الدولة الجنوبية بإسناد شعبي ودولي.. وإن غدا لناظره لقريب.
* الأيام