تعليقاً على ما يحصل في اليمن من مجازر داعشية ،وما جرى بحضرموت بشكل خاص ،وما يجري في البلاد العربيه بشكل عام .
" تهليل" ....."تكبير"؛ تلك هي إشارة البدء لحز رقبة أو بقر بطن ، أوهدم مسجد، أو نبش ضريح ولا فرق إن كان قبر نبي أو ولي أو صحابي أو حتى أديب كالمعري .
هكذا هو التعامل المنكفئ على ترهات شيطانيته ،وكأنه لا هم لذئابه سوى كيف ينسفون كل ما يذكر الأمة برموزها ،فالسفر إلى مكة بنية زيارة النبي شرك ،والتوجه أمام قبر النبي بالدعاء أيضاً شرك ،وتمييز قبور الصحابة والبدريين شرك ، والإحتفال بالمولد النبوي بدعه ،والإحتفال بذكرى استشهاد الإمام علي بدعه ،كل ما يتعارض مع ديدنهم الضيق يعد في نظرتهم العوراء كفر وشرك يجب نسفه وتكفيره ،ويعد بدعه مفضية إلى بقر البطون وأكل الأكباد وحز الرقاب .
إن من أكبر مشكلات الإنسانية على امتداد تاريخ البشرية المضرج بالدماء هو ذاك الدين الإقصائي التشويهي ،الذي ينصب نفسه أميناً على دين الله وخازناً لجنانه ونيرانه ،يهب صكوك الغفران لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء، لم يستثني من همجيته أنبياء الله والصالحين ،وأياً كان معتقدك أو ديانتك فلن تعفى من التلظي بنيرانه .
إنه التطرف الذي واجه أهل القرآن ، فكفر علي بن أبي طالب ، وحز رقبة الحسين بن علي ،وصلب وأحرق وذر رماد الإمام زيد بن علي ،واستفرغ جل جهده وهمجيته في التنكيل بذرية رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى آله، وصب جام غضبه على مخالفيه فنكل بأبى حنيفة، وسلخ جلد شمس التبريزي، وخنق السهروردي، وكفر وبدع واضطهد عبدالقادر الجيلاني ، وبن عربي، وقتل الصحابي الجليل حجر بن عدي منذ أربعة عشر قرناً، ثم عاد اليوم لينبش قبره بإسم الخلافة وتحرير سوريا !!
يجب أن تتحرك الأقلام والمواقف والأفعال لتبصير الأمة بخطر التكفير ، وويلات الأسلوب الداعشي الفج الذي من أبرز ملامحه :
*الدوغمائية ،وزعمه أنه صاحب الحق والفكر الناجي، وأن من خالفه فهو مباح الدم ،مُهدر الكرامة.
*افتقاده إلى ثقافة إعمال العقل والإجتهاد ،والنقد والإبداع .
*الغلظة والشدة في مواجهة أهل لا إله إلا الله ، فرواده أعزاء على المؤمنين ، أذلاء على الكافرين ، ولا أخال التاريخ قد سجل لهم موقف يذكر في مواجهة العدو الحقيقي للأمة ،والإنتصار لقضايا الأمه .
*أنه مطية وذراع الطغاة والمستبدين في ضرب كل الأصوات المنادية بالإنسانيه، والداعيه إلى صراط الله المستقيم .
*أنه أيضاً يمثل موطئ قدم لمشاريع أعداء الإسلام ،وقوى الإستكبار العالمي ، ولا يتواجد ويتفاعل هذا الوباء إلا فيما فيه تمكين لقوى الطغيان العالمي، وإضعاف جسد الأمة .
*إجادته أساليب الإغتيال والغدر والتنكيل برجال الله .
*العمل على تشويه صورة الإسلام لدى الأمم والشعوب الأخرى، وتقديمه كدين للهمجية واللا إنسانية، والتطرف، والعنف .
*العمل على إضعاف الأمة وتعميق حالة الطائفية والتناحر بين أبناء الأمه .
*قصوره عن فهم جوهر الدين الإسلامي القائم على حرية الفكر والرأي والمعتقد ، والتعايش والسلام،والقسط وتقبل الآخر ،والعدل .
*قتل المخالفين لهمجيتهم والأولياء والصالحين بإسم التقرب إلى الله ، ونصرة دينه ،ونيل رضوانه والخلد في جنته ،ولقد سجل لنا التاريخ المكلوم قصيدة لإبن حطان ، يمتدح فيها إبن ملجم أحد دواعش عصر الإمام علي فيقول فيه :
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكـــره يوما فأحسبـــه أوفى البريـه عند الله ميزانــــا !!!
جدير بالذكر أن الإمام علي أوصى بأنه إذا استشهد نتيجة ضربة إبن ملجم فليضربوه ضربة مقابل التي ضربه أبن ملجم، وأن لا يمثلوا به ، ليؤكد على إنسانية الإسلام حتى في مواجهة من يعملون على تشويهه !!
لقد سجل التاريخ أيضاً مقولة ذات معنى عميق تبين مدى جهل وهمجية ، ولا إنسانية القائمين على هذا التطرف ،وهي مقولة الحلاج لقاتليه قبل أن يقتلوه :
((إلهي
هؤلاء عبيدك الذين اجتمعوا متعطشين لقتلي ، من أجل دينك، وابتغاء لمرضاتك ، فاغفر لهم يارب وارحمهم
لأنك لو كشفت لهم ما كشفت لي ، ما فعلوا ماهم فاعلون ولو سترت عني ماسترت عنهم ما قاسيت هذا البلاء تباركت فيما تفعل، وتباركت فيما تشاء ))،إنها كلمات كان يجدر بأولئك التكفيريين أن يخروا أمامها مغماً عليهم ،لكن أنى لتلك القلوب التي اشتدت (داعشيتها) أن تعي وتفهم تلك العبارات الإنسانية التي تناقض ما تتشبع به قلوبهم من غلظة وجهل وهمجية .
فهذا الإتجاه التكفيري يرى في قتل الأبرياء والأولياء قربة إلى الله ،وهذا ما نراه اليوم ممن يتقربون "حسب زعمهم" إلى الله بدماء من خالفهم الرأي ، تارة بتهمة الرفض وتارة بتهمة الإلحاد، وتارة بتهمة عبادة القبور، وتارة بتهمة التزندق، وتارة بتهمة المجوسية، يقتلون بإسم التوحيد، ويفجرون بإسم الحفاظ على العقيدة الصحيحة !!!
إن كل تلك الرقاب التي حُزت ولا زالت تُحز ،والجلود التي سُلخت ولازالت تُسلخ ،والبطون التي بُقرت ولازالت تُبقر، لهي كافية لإستنهاض كل رجال الفكر والإنسانية ، وكل مسلم غيور على دينه إلى مواجهة هذا الوباء وتثقيف الناس بأخطاره ،وحماية أبناءنا من أخطاره ،والعمل على تفعيل ثقافة العلمية والموضوعية في وسائلنا التربوية،وعقد المؤتمرات والمحاظرات والندوات التي تبصر العامه بأظرار هذا التطرف؛
فالمشكلة في صميمها هي مسألة جهل وتغليب للأهواء، وانغلاق على العقل ،وقيم الإسلام، وقصور أيضاً من جانب من يجب عليهم أن يبلغوا دين الله ناصعاً كما هو، لا كما يريده وعاظ السلاطين ،وفقهاء القصور ،ومفتيي البلاط الملكي .
فلقد آن الأوان لتتكاتف الجهود وتعتصم الفرق للسعي من أجل عودة التفكير لا التكفير ،والتبشير لا التفجير،والعلمية لا الهمجية،علنا بذلك نعفي أجيالنا من التمرغ في مستنقعات الجهل والتكفير،ونحفظ رقابهم وجلودهم وبطونهم من مغبة هذا الوباء .
* بقلم / خيرالله الصيفاني - الحق نت