كلما استتبت الأوضاع في الصومال انبرت مليشيات الشباب المجاهد ليعصفوا بالسِّلم الاجتماعي ويرغموا الحكومة الشرعية على تغيير أولوياتها والتنازل عن ثقافة المؤسسة بقدر ظهور أمراء الحرب الذين يتكاثرون كالجراد.
لم يعد النشاط المسلح لفيالق الشباب الخارج من تضاعيف التعصب الأعمى محصوراً في نطاق الصومال الجنوبي، بل إنه يتمدد بقوة دفع مريبة ليصل إلى كينيا المجاورة، ويتعملق في الداخل المؤسسي للدولة الضعيفة، ليهاجم المقرات الرئاسية والحكومية، مستهدفاً رأس الدولة والحكومة والوزراء وأعضاء البرلمان.
ولتفكيك شفرة التنظيم الديني الأصولي لابد من العودة قليلاً إلى الوراء، لتحديد النبع الرئيسي لهذه الحالة الدينية السياسية، من خلال مقوماتها والتباساتها المحلية والإقليمية والدولية، مع الإقرار التام بأن هذه الظاهرة تتجاوز حدود الأوطان، سواء في خطابها المُعلن، أو تمدداتها الأفقية لا متناهية الحد والحدود، مما يقتضي الإشارة إلى بدايات التكوين العام تحت مُسمَّى «المحاكم الإسلامية» والتي نشأت أثناء ذروة الحرب الأهلية، عندما زالت كل مظاهر الدولة، وتوزَّعت البلاد بين أمراء الحرب ومليشياتهم القبلية الجاهلة، وفاضت البلايا بالعباد والبلاد، وضاعت كل المرجعيات، فكان رد الفعل الطبيعي لبعض علماء الدين اقتراح تطبيق الشريعة الإسلامية كوسيلة لحفظ التوازن، وسد الفراغ التشريعي، والحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من مقدرات الأمة.
كان الأمر تلقائياً وبسيطاً وجرى على نحو متسارع، واستشعر سكان العاصمة الصومالية «مقديشو» بالأمل والانعتاق من ظلم أمراء الحرب، وهكذا تمددت المحاكم في أغلب الأحياء الشعبية التي يقطنها الفقراء، لكن التلقائية والعفوية الأولى سرعان ما تحولت إلى مُعادل سياسي، حتى إن حركة المحاكم الإسلامية وجدت نفسها محاصرة بعرَّابي الدين السياسي بشقيه السلفي والإخواني، ويزعم المراقبون للشأن الصومالي أن الرئيس الأسبق الشيخ شريف أحمد كان أقرب إلى الوسطية السنية الشافعية بالمعنى المذهبي، والإخوان بالمعنى السياسي، فيما بدا رفيق دربه وخصمه اللدود لاحقاً الشيخ طاهر أويس أكثر تشدداً ورفضاً للعملية السياسية التي ارتضاها شريف أحمد ومن ناصره.
*الجمهورية