الرصاص أولاً

2014-02-24 07:49

 

اللافت للناظر أن أبناءنا الصغار لا يقتنون ، إلا ماله علاقة بالرصاص , من بنادق و مسدسات .. 

 

صحيح أنها لعب يعيشون معها وقتاً ثم يهشمونها , لكنها تنذر بمستقبل غائم , مع توقع هطول زخات غزيرة من رصاص الأسلحة الخفيفة و الثقيلة أثناء ساعات النهار , و مثلما تم نشر الفساد , وتعميم ثقافة القات , ينشرون الآن ثقافة دخيلة , و يغرسون فسائل جديدة في مشاتل هؤلاء الصغار ؛ كي تؤتي أُكلها في المستقبل ..

 

فأينما تولي وجهك فثمَّ رصاص .. في المسجد والمدرسة ..في الشارع والمقهى , في كل مكان تخترق الطلقات الأمن والأمان , وتصرع الهدوء والسكينة , ولن يستطيع أبو مركوب أن يضع رأسه بين جناحيه , إذا انهمر الرصاص من جميع الجهات , إلا إن تعلم سياسة الانبطاح.. فهل ننبطح كلما رأينا سيارة مشبوهة أو دراجة.. أو نسير زاحفين في الشوارع كالأفاعي ؟؟

 

وماذا بقي للدولة من واجب إن تخلت أيضاً عن أمن المواطن بعد أن تركت علاجه و تعليمه وطعامه يشكو الفاقة و الإهمال ؟؟  و ما يخشاه المواطن اليوم أن يتنفس من منخر واحد , لو تم استثمار الهواء أو خصخصة الغلاف الجوي أو فرضت عليه الضرائب الباهظة ..

 

و حب الأوطان – يا سادة يا كرام – مثلما حب الآباء , ليس غريزة في المرء – كما يظن بعضنا – بقدر ما هو حزمة من المصالح و المنافع المتبادلة , تدخل في إطار الحقوق و الواجبات ..

 

و ما نخشاه اليوم أن يردد أبناؤنا : ( و خير جليس في الزمان سلاح ) , فتشتري له السلاح مثلما اشتريت له الدراجة و الجوال .. و قد كنا نخطئ في الإجابة عن السؤال : ما أول عمل تفعله حين تصحو من النوم ؟ لقد كان أول عمل أن تفتح عينيك , أما اليوم فأول عمل أن تتفقد الرصاص , كما تتفقد الدقيق و السكر والبصل ..

فهل سيكون الرصاص على قائمة ما نشتريه شهرياً , قبل الماء و الغذاء و الدواء. وإلا ماذا ننتظر في دولة تخلت عن كل شيء إلا القتل ,  فنراه منتشراً في كل  مكان , يحصد الأبرياء العزّل ..

 

وما أردت أن تفعل اليوم , فالسلاح أولاً , فإن أردت أن تبدأ حياتك أو تبني أساسات البيت , يأتي الرصاص أولاً. وقبل أن تفكر في بنت الحلال ,فكر أولاً في ( أبو الحرام ) السلاح ..فما جدوى أن تنجب الأطفال و توفر الغذاء والدواء والأموال , إن لم توفر لهم الحماية و الأمان ..

آخر معقل لنا تغادره الدولة ..

 

ونحن نعرف أن  الجريمة  تحدث في كل المجتمعات,  ولكن ما لا يحدث فيها : عدم الجدية في تعقب الجناة , فضلاً عن القبض عليهم ومحاكمتهم , فتظل الأجهزة الأمنية في بناء دائم للمجهول , والفاعل أو نائبه مستتراً أو بطلاً وهمياً حتى النهاية.

 

وأخيراً: إن تخلت الدولة عن آخر واجباتها, أو بمعنى فقد المواطن آخر حق له , فسوف يكبر أولئك الصغار, ولن تكون بنادقهم لُعباً يعبثون بها قليلاً ثم يحطمونها, سيكون الأمر أكبر من ذلك ,وما على الحضارم إلا الرحيل لو حلّ الرصاص بينهم , وسمحوا لهم بأن يسرقوا أمنهم أيضاً!!