نقابة شركة النفط – فرع عدن تداعيات التغيير والحق النقابي للعاملين
لم تكن المجتمعات الإنسانية يوماً بمنأى عن حركات التحرر والسعي الدؤوب نحو العدالة. فمنذ القدم يدور الصراع الأبدي بين الحق والباطل، ومن خلال هذا الصراع ينمو وعي الشعوب وتتأسس المؤسسات على قواعد الشورى التي أكدها الخالق عز وجل في قوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم".
ومن هذا المنطلق الإنساني الرفيع، نشأت الحاجة إلى تنظيم العمل الاجتماعي داخل المؤسسات، مهما اختلف حجمها أو طبيعتها، لضمان حماية الحقوق وترسيخ قيم العدالة المهنية.
ومع تطور الوعي المجتمعي، ظهرت الحركة النقابية لتكون صوت العامل ودرع حقوقه. غير أن هذه الحركة لم تسلم عبر الزمن من مظاهر التشويه والتفريخ والانقسامات التي أضعفت رسالتها، فتحول بعضها إلى أدوات نفعية تفرغ العمل النقابي من جوهره الأصيل، وتبتعد عن هدفها الأول.. الدفاع عن العامل الكادح واحتياجاته الحقيقية.
إن وحدة التنظيم النقابي هي الأساس الذي يقوم عليه العمل النقابي الراسخ؛ فوجود نقابة واحدة منتخبة داخل أي منشأة يمثل الضمان الحقيقي لتمثيل العمال تمثيلاً عادلاً وشفافاً. أما تعدد النقابات داخل موقع عمل واحد، فليس إلا انحرافاً عن المفهوم النقابي الصحيح وتكريساً للتشظي الذي لا يخدم سوى أصحاب المصالح الضيقة.
لقد أدى تراجع الدور النقابي منذ تسعينيات القرن الماضي إلى ظهور قوى وظيفية داخل المؤسسات تحركها حسابات سياسية ومصلحية، مما أدى إلى انكماش الفعل النقابي الحقيقي وتضاؤل تأثيره في الدفاع عن حقوق العاملين.
واليوم، ما تشهده شركة النفط – فرع عدن من انقسامات نقابية مؤسف للغاية، ويبتعد كل البعد عن روح العمل النقابي. وما يجري ليس إلا تطبيقاً لسياسة "فَرِّق تَسُد"، وهي نهج استعماري معروف يهدف إلى إفراغ النقابات من مضمونها الحقيقي، وبالتالي خلق بيئة مشوشة تشوه وعي الأجيال القادمة بشأن ماهية العمل النقابي ورسائله السامية.
ورغم ذلك، يبقى التوافق على إجراء انتخابات نقابية حقيقية خطوة مهمة وتاريخية تسجل لصالح الشركة وللقيادة الإدارية الحكيمة، ممثلة بالأخ الدكتور صالح عمرو الجريري، الذي أدرك قيمة النقابة وضرورة استعادة دورها الطبيعي كشريك مؤسسي فاعل، لا كخصم ولا تابع. فقد منح النقابة المساحة اللازمة لتعمل بتناغم مع الإدارة، بما يحقق التكامل ويرسخ الروح الديمقراطية داخل المؤسسة.
وفي الانتخابات القادمة التي نأمل انعقادها مطلع العام الجديد، نتطلع إلى عمل نقابي ناضج يقوم على قيم ثابتة وأخلاق مهنية راسخة:
الشفافية، النزاهة، الاستقلالية، وتقديم المصلحة العامة للعاملين قبل أي اعتبار آخر.
فالنقابة ليست ساحة للتنافس الشخصي أو تصفية الحسابات، بل منبر للدفاع عن شريحة تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.
كل التحية والتقدير لكل نقابي شريف حافظ على مبادئه في هذه المرحلة الصعبة، وأثبت أن العمل النقابي رسالة وطنية ومسؤولية أخلاقية قبل أن يكون منصباً أو موقعاً.
وستسجل صفحات التاريخ مواقفهم الخالدة بماء من ذهب.
والله من وراء القصد
✍️ ناصر العبيدي