*- شبوة برس – نبيه البرجي
بعد غارة إسرائيلية على مدينة بنت جبيل أسفرت عن مقتل ثلاثة أطفال، لم تعلن واشنطن سوى أن الضحايا ليسوا أمريكيين. يثير هذا التساؤل حول رد الفعل المختلف جذريًا لو كان الضحايا إسرائيليين. يتعامل بعض الأطراف مع شعوب المنطقة وكأنها مجرد قطع على رقعة الشطرنج، أو ربما كأرواح لا قيمة لها.
تستمر حرب بلا منطق واضح أو قواعد تحكمها، وغارات تمتد من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر وصولاً لبحر قزوين، لكنها تتوقف عند حدود المحيطين الأطلسي والهادئ. في خضم هذا المشهد، يتحرك البعض نحو القدس متجاهلين حقيقة أن سوريا، التي كانت يومًا قلب العروبة النابض، قد أنهكها الصراع.
أعلن أحد السياسيين السوريين خلال رحلته إلى نيويورك أنهم واجهوا داعش وطردوا الميليشيات الإيرانية من المنطقة، متناسيًا التناقض في تحالفاته. لم يذكر أنهم سمحوا بانهيار المؤسسة العسكرية السورية وتقدم القوات الإسرائيلية، حتى باتت هضبة الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية، وأصبحت دمشق على حافة الهاوية.
لم ينتبه ذلك السياسي إلى التصريحات الإسرائيلية الواضحة التي تؤكد التمسك بجبل الشيخ ورفض الانسحاب منه، فيما يصفه البعض بالسلام بينما يعتبره آخرون استسلامًا. تدور الأحداث في ظل أوضاع سياسية معقدة، حيث تُفقد سوريا ولبنان سيطرتهما وتصبحان رهينتين لإرادات خارجية متعددة.
لكن التحول الأبرز يتمثل في إدراك المملكة العربية السعودية، القوة السياسية والمالية المؤثرة، للحقائق الجيوسياسية المختبئة خلف قرارات بعض القادة. وصفت تقارير خطأً استراتيجيًا لنتنياهو بأنه "خطأ هتلري"، مقارنة إياه بقرارات أدت إلى سقوط إمبراطوريات سابقة.
أدركت السعودية أن القواعد الأمريكية في الخليج موجودة لحماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وليس بالضرورة لحماية دول المنطقة. أعاد ذلك للأذهان مقولة قديمة عن "دولة يهودية آمنة في مقابل دول عربية ميتة". سلطت أحداث مثل ضربة الدوحة الضوء على هذه التوترات، حيث وصل الأمر إلى حد اتهامات بالخداع بين الحلفاء.
حتى الخبراء العسكريون يحذرون الآن من تداعيات زلزالية في المنطقة قد تهدد الوجود الأمريكي. في المقابل، لم تعلق واشنطن على الاتفاق الدفاعي بين الرياض وإسلام آباد، والذي يُنظر إليه على أنه إعادة صياغة لمعادلة الردع الإقليمي، خاصة مع امتلاك باكستان ترسانة نووية.
هذا التحول يأتي بالتزامن مع تطور في العلاقات السعودية-الإيرانية، مما فتح الباب لدعوات من "حزب الله" لمد اليد إلى المملكة. كما أن زيارة مسؤول سعودي رفيع إلى لبنان وإعلانه أن "الدم الشيعي مثل الدم السعودي" أرسلت رسالة واضحة بعدم الرغبة في تصعيد النزاعات الطائفية، مما أزعج قوى كانت تراهن على سيناريو مختلف.
الآن، مع الدفع السعودي الجاد نحو إقامة دولة فلسطينية، والغطاء النووي الباكستاني المحتمل في مواجهة الترسانة النووية الإسرائيلية، يبدو أن الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع. هل نشهد مسارًا مختلفًا يقود إلى سقوط تحالفات قديمة وبروز قوى جديدة؟ بالتأكيد، هناك تحولات عميقة في الطريق، ولم تعد الأمور كما كانت.