بعيدًا عن صخب السياسة وصراع الصرف صعودًا وهبوطًا وهموم الناس ووجع الرأس.. هناك دروس إنسانية خالدة قادرة على أن تغيّر مسار حياتنا وتترك أثرًا لا يُمحى مهما طال الزمن.
في حياة كل إنسان مواقف صغيرة قد تغيّر مساره كله. قد تكون كلمة عابرة أو تصرفًا بسيطًا لكنه يترك أثرًا عميقًا يبقى حيًّا في الذاكرة. ومن تلك المواقف قصة تلميذ أدرك معنى الستر في أجمل صوره.
القصة:
سرق تلميذ ساعة زميله في الصف. وحين افتقدها صاحبها بكى بحرقة فاشتكى للمعلم. عندها أعلن المعلم أنه سيفتش التلاميذ. ارتجف التلميذ السارق وأيقن أن حياته ستنقلب رأسًا على عقب وأنه سيفضح أمام زملائه ويُحطَّم مستقبله.
لكن المعلم الحكيم أمر الطلاب أن يقفوا صفًا واحدًا متجهين نحو الحائط، وطلب منهم أن يغمضوا أعينهم. ثم بدأ يفتش جيوبهم واحدًا تلو الآخر، حتى وصل إلى جيب التلميذ، فأخرج الساعة في صمت، وواصل التفتيش حتى آخر طالب. وبعد أن انتهى، أعاد الساعة لصاحبها دون أن يذكر اسم السارق أو يوجه كلمة عتاب.
مرت السنين وخلال حفل زفاف صادف ذلك التلميذ الذي سرق الساعة معلمه الذي كان يدرّسه في المرحلة الابتدائية قبل نحو 35 سنة. أقبل الطالب بلهفة واشتياق على أستاذه بكل احترام وقال بخجل:
هل تتذكرني يا أستاذي؟
فأجابه المعلم العجوز: لا يا بني.
فقال الطالب بصوت خافت:
كيف لا؟ أنا ذلك التلميذ الذي سرق ساعة زميله في الصف. يومها أيقنت أن أمري سينفضح، وأن حياتي ستتحطم، لكن حكمتك أنقذتني. فقد أمرتنا أن نوجه وجوهنا للحائط ونغمض أعيننا، ثم فتشت جيوبنا حتى أخرجت الساعة من جيبي دون أن يعرف أحد. بعدها أعدتها لصاحبها، ولم تذكر اسمي لا أمام زملائي ولا أمام المعلمين. ومنذ ذلك اليوم عاهدت نفسي ألا أسرق شيئًا مهما كان صغيرًا. فكيف لا تذكرني، وأنا قصتي معك لا تُنسى؟
ابتسم المعلم وربت على كتف تلميذه قائلاً:
يا بني، صحيح أنني تعمدت أن يكون التفتيش وأنتم مغمضو الأعين حتى لا ينفضح أمر السارق، لكن ما لا تعلمه أنني أنا أيضًا كنت مغمض العينين أثناء التفتيش، ليكتمل الستر، فلا أراك ولا يبقى في قلبي شيء ضدك.
الخاتمة:
التربية ليست بكشف الأخطاء وفضح أصحابها، بل بالستر ومنح فرصة للإصلاح. وهكذا حين أغلق المعلم عينيه في ذاك الصف لم يُخفِ خطأً فحسب، بل صنع إنسانًا وزرع بذور الخير التي بقيت حيّة رغم مرور السنين.