المجلس الانتقالي والشرعية: قراءة في الأسس العامة للشراكة

2025-07-17 08:12
المجلس الانتقالي والشرعية: قراءة في الأسس العامة للشراكة
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

*- شبوة برس - حافظ الشجيفي

في عالم السياسة، تعد الشراكة مفهوما محوريا يراد به تنظيم العلاقة بين كيانين او أكثر لتحقيق اهداف مشتركة. بيد ان فهم طبيعة هذه الشراكة، و خصوصا في السياقات المعقدة كالتي يشهدها اليمن، يتطلب تحليلا دقيقا لمنابت كل طرف، و اسس شرعيته، و مكانه الحقيقي ضمن هذه المعادلة. ان الشراكة السياسية، او اي شراكة تقوم بين طرفين، لا تعني بالضرورة ان تندمج هذه الاطراف مع بعضها و تتخلى عن هويتها الوطنية او السياسية، بل على العكس من ذلك، فان جوهر الشراكة يكمن في ان يحافظ كل طرف على هويته و مبادئه و اهدافه و تطلعاته، و حتى قوانينه الخاصة، ضمن الاطار العام للشراكة المبرمة. وهذا المبدأ يصبح اكثر اهمية و حساسية حين تشارك كيانات ذات مرجعيات شعبية مختلفة و طموحات وجودية مختلفة.

 

ولنفحص في هذا السياق حالة المجلس الانتقالي الجنوبي و الشرعية اللذين تجمعهما اتفاقية شراكة سياسية هشة. فمن اين اتى المجلس الانتقالي الجنوبي؟ لقد اتى المجلس الانتقالي الجنوبي من تفويض شعبي مباشر من الشعب الجنوبي  للواء عيدروس الزبيدي في عام 2017، بتمثيل ارادته و التعبير عن تطلعاته و اهدافه الجلية في استعادة دولة الجنوب و اعلان استقلالها. و بموجب هذا التفويض الشعبي الجماهيري، فقد قام عيدروس الزبيدي بتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي لتحقيق تطلعات الجنوبيين و اهدافهم في استعادة دولتهم و اعلان استقلالها.

 

وهذه الحقيقة تدركها تماما "الشرعية" اليمنية، التي تشكلت هي الاخرى من خلال اختيار جماهير و قوى الجمهورية العربية اليمنية لعبدربه منصور هادي كممثل و رئيس شرعي لها في انتخابات رسمية جرت لهذا الغرض في عام 2012، فيما قاطعها الجنوبيون بشكل كلي و شامل، مما يؤكد التباين الجذري في شعبية كل طرف منهما. اذن، و كما اسلفنا، فان "الشرعية" تدرك تماما ان عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هو ممثل لارادة شعب الجنوب الذي يتطلع للاستقلال التام. و هذا الادراك لا يقتصر على "الشرعية" فحسب، بل يمتد ليشمل دول التحالف العربي و الامم المتحدة، الذين يدركون تماما هذه الخلفية الشعبية و الهدف السياسي للمجلس الانتقالي. و عندما تم التوقيع على اتفاقية الشراكة بين المجلس الانتقالي و الشرعية، فان جميع هؤلاء كانوا يعرفون تماما ان المجلس الانتقالي الجنوبي يمثل الشعب الجنوبي و يعبر عن ارادته و يتبنى اهدافه المعلنة بوضوح.

 

وبناء على هذا الفهم العميق لمفهوم الشراكة و لحقيقة نشأة كل طرف، يتبين ان المجلس الانتقالي، من خلال هذه الشراكة، يمثل الشعب الجنوبي في سلطة الشراكة، و لا يمثل سلطة الشراكة امام الشعب الجنوبي. و هذا يعني بالضرورة ان المجلس الانتقالي غير ملزم ابدا بقوانين "الشرعية" داخل اطر الشراكة. و اذا كان هناك طرف ينبغي ان يلتزم بقوانين طرف اخر، فالشرعية هي التي ينبغي ان تلتزم بقوانين المجلس الانتقالي الجنوبي. و ذلك لاسباب منطقية وواقعيةعديدة :

 

اولا: لان "الشرعية" متواجدة في عدن الجنوبية، و هي المدينة التي يمثلها و يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي بحكم الامر الواقع و القوة و التفويض الشعبي.

 

ثانيا: لانه عند توقيع اتفاق الشراكة، كان المجلس الانتقالي هو الطرف المنتصر الذي طرد "الشرعية" من عدن بعد احداث و مواجهة عسكرية مباشرة معها، ادت الى هزيمتها و طردها من عدن، مما يضفي على المجلس قوة الموقف الواقعي.

 

ثالثا: لان "الشرعية" لا تملك ارضا او موارد او دولة حقيقية تمكنها من ان تكون في موقع مكافئ للشراكة مع المجلس الانتقالي الجنوبي. فالمجلس الانتقالي يمتلك الارض و القوة العسكرية و القضية العادلة التي تحظى بولاء شعبي واسع في الجنوب. اما جغرافيا، فان الجمهورية العربية اليمنية، التي تمثلها "الشرعية" نظريا، تقع بشكل شبه كلي تحت سيطرة الحوثيين، الامر الذي يجعلها غير صالحة من الناحية العملية للشراكة المتساوية مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على الجنوب و يمثله فعليا.

 

و هذا يعني في المحصلة النهائية ان عيدروس الزبيدي، و هو يزاول مهامه في مجلس القيادة الرئاسي الناتج عن الشراكة، غير ملزم ابدا برفع علم الجمهورية اليمنية، و لا ملزم بان يضع صورة الرئيس اليمني رشاد العليمي في مكتبه الخاص. بل يجب ان يلتزم فقط بان يكون في مكتبه علم الجنوب وحده، و صورته هو وحده، و ليس صورة ممثل الشرعية رشاد العليمي، و ذلك تعبيرا عن حقيقة تمثيله للشعب الجنوبي و قضيته. وهذا الامر ينطبق على كل ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي في اي مواقع ادارية او سياسية ضمن اطر الشراكة، و ذلك اتساقا مع طبيعة التفويض الشعبي الذي الممنوح للمجلس الانتقالي و المكانة الواقعية التي يشغلها.