*- شبوة برس - د. حسين لقور بن عيدان
تمر حضرموت اليوم بمنعطف سياسي دقيق، لا يقل خطورة عن أي مرحلة تاريخية عرفتها منذ ما بعد الاستقلال الأول وحتى اليوم. فالمطالب التي تُرفع باسم الحكم الذاتي، والاحتقان الأمني والسياسي المتصاعد في وادي حضرموت، والتباين الواضح في خطاب المكونات السياسية واختلافاتها، كلها تشير إلى ضرورة مراجعة جدية للمسار القائم، قبل أن تنزلق المحافظة – برمزيتها وثقلها – إلى مسارات لا تخدم الجنوب ولا أبناء حضرموت أنفسهم.
لقد أثبتت التجربة خلال السنوات الأخيرة أن التراخي في معالجة ملف الوضع الأمني في وادي حضرموت أدى إلى تفاقم الشكوك، وفتح المجال أمام مشاريع سياسية غير واضحة، تتغذى من غياب الثقة، وتنتعش في ظل خبث أطروحات القوى اليمنية تجاه خصوصية حضرموت.
اليوم، بات من الضروري بل من أولويات الاستحقاقات الجنوبي أن يُفتح حوار مباشر، مسؤول، وجاد بين المجلس الانتقالي الجنوبي بوصفه الممثل السياسي الأبرز للقضية الجنوبية، وبين القوى الحضرمية الفاعلة، وفي مقدمتها مؤتمر حضرموت الجامع، ككيان جامع يحظى بشرعية مجتمعية ومرجعية سياسية لأبناء حضرموت.
إن أي تصور لمستقبل الدولة الجنوبية لا يضع في أولوياته ضمان شراكة حضرموت الكاملة، واحترام خصوصيتها، وتمكين أبنائها من إدارة شؤون محافظتهم وكذلك بالنسبة لباقي المحافظات في الجنوب، هو مشروع ناقص يفتقد لأهم أعمدته الوطنية.
كما أن التلويح بالخروج عن المشروع الجنوبي تحت شعار "الحكم الذاتي" دون ضمانات حقيقية أو خارطة طريق جامعة، يعرض حضرموت لخطر العزلة السياسية، ويتركها مكشوفة أمام تدخلات يمنية وإقليمية ودولية لا تراعي مصالح أبنائها.
الحوار بين الجنوبيين في المجلس الانتقالي ومؤتمر حضرموت الجامع والقوى في حضرموت، يجب أن يكون حوارًا استراتيجيًّا، لا تكتيكيًّا. حواراً يعيد بناء الثقة، ويُقر بأن كل مناطق ومحافظات الجنوب ومنها حضرموت ليست تابعاً ولا هامشًا، بل شريك أصيل في صناعة المستقبل الجنوبي. لا بد من التفاهم على شكل الدولة القادمة، وضمان توزيع عادل للثروة والسلطة، وتحديد آليات تمثيل محافظات الجنوب ومنها حضرموت في المؤسسات الجنوبية القادمة بشكل متوازن.
هذه ليست مجرد دعوة للحوار، بل تحذير من الفراغ، لأن الفراغات لا تبقى طويلًا دون أن تملأها قوى تتغذى من التناقضات و"الفم المفتوح تدخله الذباب". والمؤسف أن حضرموت حينها ستكون ساحة الصراع، لا صانعة القرار.
فلنمنح الحوار الأولوية القصوى، ليس فقط درءًا للاحتقان، بل تأسيسًا لمستقبل عادل، يليق بكل محافظات الجنوب وعلى رأسها حضرموت ومكانتها في الجنوب القادم.
*- شبوة برس – الأيام