مشاهد مجتمع طبقي تبدو في الافق

2025-05-10 16:24

 

في العصور الوسطى وعهود التخلف والاستبداد والطغيان عاشت المجتمعات الطبقية في كثير من المدن في العالم وانقسم المجتمع إلى طبقتين ، طبقة الأغنياء بمسمياتها المختلفة ( النبلاء ، الأثرياء ، السادة ، رجال المال والأعمال ، التجار .. الخ ) وطبقة الفقراء ( الطبقة الكادحة ، البسطاء ، المسحوقين ، المعدمين .. ومسميات أخرى كثيرة

طبقة الأغنياء تمتاز بالنفوذ المالي والسياسي والعسكري فهي قادرة على تحقيق كل ما تصبو اليه ويتوفر لديها بسهولة ويسر ودون مشقة كل سبل العيش الرغيد والرفاهية التامة فيتعلم أبناء طبقة الأغنياء في أفضل وأرقى المدارس والجامعات ويتعالج مرضاها في افخم المستشفيات وعند اكبر الأطباء والاختصاصيين في الداخل والخارج ويشفع لمن كان من ابناءها منحرفا الكثير من طالبي رضا الاسياد وكرمهم السخي فيسقط العقاب التأذيبي عن كل مخالف يجد وسيطا مرموقاً يشفع له عند قاض أو سجان ، هذه ليست نقمة ضد طبقة الأغنياء فهناك من البسهم الغنى ثوب التواضع والشرف ونقاهم من شوائب الفساد الديني والأخلاقي والطبعي فهم على تميزهم الطبقي لايجسدونه في أقوالهم ولا أفعالهم ولا أشكالهم

 

فئة الطبقة الكادحة من الفقراء والبسطاء والمعدمين هم في الغالب ضحايا المجتمعات الطبقية المستبدة وليس لها حظ في الحياة وملذاتها فلن تجد مقعدا في المدارس لابنائها ولا سريرا في مستشفى لمريضها ولا مالا لتشتري به طعاما صحيا وكافيا ليس لفقرها وانما للتمييز الطبقي في المجتمع

 

هذه الطبقات الاجتماعية عاشت في فترات سابقة ثم قضت عليها الثورات التحررية لتنشر العدالة والمساواة وتلغى الطبقات الاجتماعية ويسود العدل والمساواة بين الناس في الحقوق الإنسانية بالحصول على السكن والطعام والدواء والتعليم المجاني على حساب ونفقة الدولة العادلة مع استحقاق الفضل والنعمة من الله لمن حظي بها من اصل وارث ونسب دون حسد ولا طمع بما في أيديهم من فضل الله عليهم

 

وبعد انقضاء عهد التمييز الطبقي في المجتمعات بدت في الآونة الأخيرة تظهر ملامح لمجتمع طبقي نشأ بعد حرب العام ٢٠١٥م وانتشرت وتوسعت الفجوة المجتمعية لتقسم المجتمع إلى طبقتين عريضتين ، طبقة الأغنياء المترفين وطبقة الفقراء المعدمين ، سيقول قائل هذا تقسيم اجتماعي وإنساني لايعيب أحد ، نعم هذا صحيح لكن في الأوضاع الطبيعية ، أما عندما ينشأ هذا التقسيم الطبقي نتيجة خلل اداري ناتج عن تغيير الادوات القانونية في المجتمع وتحويله إلى مجتمع طبقي فهذا هو الخلل ، فالانتقال من وضع الدولة المسؤولة إلى الخصخصة في كل شي ، خلل ستستفيذ منه الطبقة العليا في المجتمع ( الأغنياء بالارث الأسري والتجاري ) أو الأغنياء بالاستحداثات الطارئة والمفاجئة وستظفر بالحق في التعليم والتطبيب والسكن والعمل والقيادة والمناصب ، وستحرم من كل ذلك طبقة الفقراء والبسطاء والمعدمين الذين سيعجزون عن الحصول على التعليم والتطبيب المجاني وستنعدم أمامهم فرص العمل والحصول على حق المشاركة في القيادة والإدارة والسلطة وهذا هو المجتمع الطبقي الذي سيعود مجددا . بعد انتصار الثورات التحررية ضد الظلم والاستبداد والطغيان وانهاء عهد الطبقات والتخلف الاجتماعي .

 

أيعقل أن تعود عدن في القرن الحادي والعشرين الى عهد الطبقات فتنتشر فيها المدارس الخاصة والأهلية على حساب المدارس الحكومية ضعيفة الأداء والامكانيات ، كما تنتشر المستشفيات الخاصة باهظة التكاليف على حساب المستشفيات الحكومية العاجزة عن تقديم خدمات طبية مناسبة . وتغلق ابواب الجامعات في وجوه أبناء الفقراء والمعدمين لعدم قدرتهم على دفع رسوم وتكاليف التعليم الجامعي لابنائهم ، ويصاب كل شاب وشابة بالاحباط عند التفكير في بناء المستقبل وتكوين الأسرة بسبب عدم الحصول على السكن ، ويطوف الفقراء باوعيتهم وعلى ظهور الحمير مسافات بحثا عن الماء حيث لا يقدرون على شراءه ونقله ، ولا يستطيع الفقراء أيضا أن يعيشوا في بيوتهم المتواضعة وسط الحر الشديد وقيض الصيف بدون كهرباء وليس لديهم مايشتروا به وسائل الكهرباء البديلة ،

هذه حقائق لايمكن لأحد إنكارها وهي ليست من الوضع الطبيعي المسلم به في أي بلد لديه ثروات وطنية ، بل هو حدث عرضي تسببت به سياسات انتهازية انحرفت عن مبادئ العدالة والمساواة وافرزت مجتمعا طبقيا استحوذت فيه طبقة اجتماعية على الحكم والمال والثروة والمنصب والقيادة والإدارة والسلطة على حساب طبقة أخرى فانقسم المجتمع مجددا ليعود الى عهد التخلف والظلم والاستبداد في القرن الحادي والعشرين

 

*- جمال مسعود علي