*- شبوة برس - جمال مسعود علي
سرقة المال العام جريمة من الجرائم المنتشرة في كل دول العالم ولاتخلو منها أي دولة مهما كانت قوة ودقة الرقابة والمحاسبة والتفتيش بمراحلها المختلفة. إذ لا ولم ولن يسلم المال العام من عمليات النهب باي درجة من درجاتها وتحت أي اسم من اسمائها ولو بمسمى التكريم والتحفيز والتشجيع لتحسين الأداء وتطوير العمل سيدخل السارق للمال العام من هذا الباب وسينهب مايستطيع أن ينهبه ويقع بيده باحترافية وسلامة من العقاب ، ولكن النهب للمال العام يتفاوت من درجة لأخرى ، إذ لا تتساوى قيم وأخلاقيات العاملين على المال العام.
بعض العاملين على المال العام سد الباب وحرم على نفسه أن تمد يده اليه وتأخذ منه بغير وجه حق وهذا ناتج عن تراكم القيم والأخلاقيأت التي نشأ عليها هذا العامل ، وتضاف إليها قيم وأخلاقيات اللوائح والنظم الرقابية الصارمة والإجراءات العقابية الحازمة التي لاتستهين بجرائم النهب والاختلاس للمال العام وهي حساسة جدا إلى درجة أنها تضرب بيد من حديد لمجرد الاشتباه قبل ثبوت الجرم واستحقاق العقاب ، وهذا وحده رادع يمنع كل من تسول له نفسه ويعاني من حساسية مد اليد للمال العام ونهبه بقصد او بغير قصد ، فصرامة القوانين وإجراءات العقاب المرعبة تعالج مرض حساسية النهب لديه.
ان نهب المال العام مرتبط بدرجة كبيرة بتفكك أنظمة الرقابة وغياب تام لأجهزة التفتيش المرحلية ووجود الفساد المالي والإداري والقانوني ويضاف إليها التفسخ القيمي والأخلاقي وانتشار نوازع الشر والكره للنظافة والعفة وطهارة اليد فيكون الميل لنهب المال العام هو اقصر الطرق لإشباع نهم الفاسدين المجرمين المعتدين على مصالح الشعب ونهبها دون وازع من ضمير ولا رقابة ذاتية أو خوف من العقاب الديني في الآخرة أن سلم من عقوبة الدنيا.
ان من اغرب جرائم الفساد ونهب المال العام وابشعها هي تلك الجرائم العلنية الظاهرة على السطح والمعلن عنها والمجاهر بها ، وهي تلك المفضوحة المعترف مقترفها بجرمه وهو لا يبالي بردات الفعل ونقمة الشارع عليه ، وأكثر من ذلك هو عدم الاحساس بالخجل لفضح فساده وضبطه بنهب المال العام متلبسا في سادية وانفصام ليس لها مثيل ، فتجده ينزل ويطلع ويذهب إلى عمله ويزاول نشاطه الطبيعي في موقعه الذي انفضح فيه أمره ونهبه للمال العام فيشتري ويبيع ويبني ويستثمر ويسافر ويحول أموال ويصرف منها بشكل طبيعي وكأنه ماله ولم يتهم نهبه وسرقته
ان مانعاني منه في بلادنا هو ذلك النوع من الفساد ونهب المال العام العلني المستخف مرتكبه بالقوانين ويضرب بنصوصها عرض الحائط ويسخر من أجهزة القضاء وينتقدها ويعتدي على أجهزة الضبط التابعة لها ، ويتهمها بالجهالة وعدم معرفة حدود مهامها واختصاصاتها وقد يفرض على القاضي إجراءات عقابية وإيقاف من العمل لمجرد أنه استجاب لبلاغ عن فساد مثبت موجه ضده ، فيثور ويهيج مستنكرا جرأة القاضي وتطاوله عليه ويتحول من متهم بالفساد إلى متهم للقاضي والمبلغ عن الفساد بعرقلة جهوده والتسبب بازعاجه والإساءة إليه ، ويطالب بصرامة بمعاقبة المتسببين بذلك سواء كان ضابط عند مدخل حدودي أو عامل تفتيش في ممر أمام جهاز التحسس المعدني وكاشف التهريب أو مدقق محاسبي في السندات والسجلات أو مراقب للارصدة والحسابات المالية والانفاق.
ولكثرة قضايا الفساد المعلن عنها ومقدار الأموال التي تم نهبها خلال الثلاثة العقود الماضية سواء في القطاعات النفطية والغازية أو العائدات والايرادات أو في قطاع الأراضي وعقارات الدولة أو الحسابات الحكومية أو المشاريع والتجهيزات ، الملفت للنظر هو غياب المدانين بجرائم النهب والاختلاس ما يوحي إلى أن مجتمعنا سليم من جرائم النهب وهو مجتمع مثالي يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، والرصد والتقييد للايرادات السيادية والحسابات الحكومية سليمة من الشوائب ، وكل الأوعية المالية للدولة تعمل بنزاهة وشفافية متميزة على مستوى العالم ، والدليل على ذلك هو خلو المحاكم من المتهمين بقضايا نهب المال العام وعدم ظهور حالة واحدة فقط كاثبات على وجود جرائم التعدي على المال العام ونهبه ، فلاكثر من ثلاثة عقود لم تثبت لدى أجهزة القضاء جريمة واحدة من جرائم النهب للمال العام وللاسف الشديد ، هذه وحدها اكبر جريمة يعاقب عليها التاريخ أن شعبا منهوبا في كل ثرواته ومقدراته ومكتسباته وافقره الناهبون وجروه خلفهم إلى موائد التسول والمساعدات الإنسانية والاغاثية يلهث من شدة الجوع والفقر وتلك الأنهار تجري من تحته ، ليسجل لنفسه في صفحات التاريخ الإنساني أنه الشعب الجائع بين موائد الأثرياء وهو خانع ذليل تتحداه قوى الشر الناهبة لثرواته وخيراته ان يقول شيئا أو يحرك ساكنا غير التصفيق والتطبيل وهي مستهزئة بإرادته وأنظمته وأجهزته القضائية ، لا تخجل مما تنهبه بل تجاهر به علنا في وضح النهار وتعلن عن ذلك في تقاريرها وفق مبررات التسهيل والتمرير وتتحدى أجهزة الضبط القضائية أن تفتح الجلسة وتستدعي المتهم الأول.