لماذا الإمارات في اليوم التالي لحرب غزة؟

2024-07-29 02:50

 

 

النظرة السياسية للقيادة الإماراتية تستند إلى مفهوم نقل منطقة الشرق الأوسط من الدائرة الجيوسياسية الساخنة إلى دائرة جيواقتصادية، وهذه النظرية هي جوهر ما تراه الإمارات لتخفيف أزمات الشرق الأوسط.

 

بين ما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” وما صرحت به وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي ريم بنت إبراهيم الهاشمي الكثير مما يستحق النظر إليه باهتمام. الكاتب الأميركي ديفيد إغناشيوس تحدث عن اجتماع ثلاثي استضافته العاصمة أبوظبي جمع الأميركيين والإسرائيليين والإماراتيين، وخرج برؤية لليوم التالي للحرب الدامية في قطاع غزة. ووفقًا للوزيرة ريم الهاشمي، فإن الإمارات ترى أن إحلال الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة ينطلق من حل مستدام وعادل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ومسار سياسي، وهي الرؤية الإماراتية السياسية المعروفة والممتدة منذ تأسيس البلاد في العام 1971. غير أن الملاحظ والمهم هو أن الإمارات منخرطة سياسيًا في مسار سياسي اعتمدته مع توقيعها “الاتفاق الإبراهيمي” في 2020.

 

النظرة السياسية للقيادة الإماراتية تستند إلى مفهوم نقل المنطقة الشرق أوسطية بالكامل من الدائرة الجيوسياسية الساخنة إلى دائرة جيواقتصادية. 

 

هذه النظرية هي جوهر ما تراه الإمارات لتخفيف أزمات الشرق الأوسط الذي غرق عبر الأزمنة والعقود في الصراعات التي فتكت بالشعوب وبددت الثروات. بناءً على ذلك، فإن السبيل المنطقي هو إخراج المنطقة برمتها من حالة السخونة الدائمة إلى التبريد المستدام. العملية بالتأكيد ليست سهلة، ولا أحد يتعامل معها على أنها يمكن أن تمر دون معوقات، وما هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 إلا أحد هذه المعوقات، فهو يمثل انقلابًا على مسار التطبيع السعودي – الإسرائيلي الذي كاد يصل إلى محطته الحاسمة.

 

ومع كل الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة والتداعيات التي أدت إلى انخراط الفصائل الموالية لإيران في الحرب لدعم جماعة حماس، تبقى حقيقة أخرى صامدة وهي أن مسار التطبيع السعودي – الإسرائيلي مازال متماسكا مع رغبة تل أبيب والرياض في الوصول إلى محطة التسوية. يعزز هذا التماسك الفرصة الإماراتية للدفع باتجاه التسويات وليس مجرد تسوية للوضع الحالي في غزة؛ بمعنى أن هناك فرصة حقيقية لتحقيق تسويات أشمل على غرار ما قادته الإمارات في تطبيع العلاقات السياسية بين تركيا وإيران من جهة والعواصم العربية من جهة أخرى، وكذلك تطبيع العلاقات السورية مع العالم العربي. هذه حقائق حدثت وكانت مستحيلة الحدوث لولا أن الإماراتيين امتلكوا التصميم السياسي لتحقيق هذه الحقائق. وإن كانت هذه الحقائق في طور التسويات، فإن هذه هي طبيعة التحولات التي تقتضي البعد الزمني للوصول إلى إتمامها.

 

مدى القدرة على الوصول إلى دائرة التبريد يبقى اختبارا لإرادة المجتمع الدولي الذي يتعين عليه أن يضع قدرا كبيرا من الضغط لتحقيق ذلك. “حلّ الدولتين” هو أساس تتفق عليه الكثير من القوى الدولية بمختلف توجهاتها اليمينية واليسارية، غير أن الصعوبة تكمن في أن استحكام القوى المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط مازال يرى أن تحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيلية يعني نهاية مادة إنتاج التطرف الأيديولوجي. هذه هي أحد أكثر التراكمات التاريخية المركبة، وهي ما تتعين معالجته ضمن معالجات التسويات بحسب رؤية السياسيين الإماراتيين. قد تكون هذه التسويات مستحيلة، غير أن الإماراتيين لا يوجد في قاموسهم مصطلح “المستحيل”.

 

الخطة الإماراتية تنظر إلى السلطة الفلسطينية كمرتكز رئيسي باعتبارها الحامل الوطني، وهذا ما تراه الإمارات في منظورها للدولة الوطنية. إذن، فإن مجمل ما تريده الإمارات هو البناء على قاعدتين رئيسيتين: “حلّ الدولتين” والاعتماد على دولة وطنية فلسطينية. أما إلى أي مدى يمكن أن يتحقق ذلك، فهذا مرهون بالفلسطينيين أولاً الذين كانوا قد عادوا للتو من الصين باتفاق الفصائل الأربعة عشر. تأمين قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي بنشر قوات عربية من مصر والمغرب وقطر والإمارات سيقدم الإطار المعنوي لأهالي القطاع للعودة إلى حياتهم الطبيعية بحماية قوات عربية، وسينهي أحادية السيطرة الحمساوية التي أخضع لها السكان لأكثر من عقد ونصف العقد.

 

الأفكار الإبداعية التي قدمها الشيخ عبدالله بن زايد يمكنها أن تقدم الصيغة النظرية لليوم التالي بموضوعية. أما تحقيقها على أرض الواقع في الشرق الأوسط، فهو عملية لن تخلو من التحديات الحقيقية. النوايا لتأمين المنطقة من المزيد من الصراعات متوفرة، كما أن النوايا المضادة كذلك وافرة في المقابل، وبينهما فرصة يمكن العبور من خلالها لتحقيق الهدف الكبير الذي يمكن أن يكون حقيقيّا. لم يقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصوراته لليوم التالي لحرب غزة حتى وهو يخاطب الكونغرس الأميركي ويلتقي بالمرشحين لرئاسة الولايات المتحدة، كامالا هاريس ودونالد ترامب. لكن هذا لا يلغي أهمية انتهاز الفرصة المتاحة التي قدمتها الإمارات، رغم كثافة أدخنة الحرب وسوداوية المشهد. فإضاءة شمعة في الظلام أفضل من صب اللعنات.