تختلف ثقافة الشعوب من أمة الى أخرى كما تختلف عاداتها وتقاليدها واعرافها التي تحتكم اليها عند حدوث مشكلة.
في العادات والتقاليد لدينا إختلاف كبير بين الشمال والجنوب وهذا الإختلاف يكون في منطوق الأحكام القبلية في حوادث القتل والتعوير والسوادة والعار، ففي الشمال تكون الأحكام مشددة جدآ (عقائر وأحكام محدش ومربوع) وغيرها من الصفات التي تميز حكم عن آخر.
في الجنوب كانت الأحكام شبه مخففة الى عام 90 حيث استقدمت بعض الأحكام من قبائل الشمال مما أثر على المجتمع الجنوبي الذي أقحم في ثقافة اختفت نوعا ما ايام الاستعمار البريطاني وتم القضاء عليها نهائيا خلال حكم الحزب الاشتراكي للجنوب إلا انها عادت بعد عام 90م.
العقيرة:
المجتمع اليمني(الشمال) لديه ثقافة (العقيرة) لحل كل مشكلة تحدث مهما كانت.
ومن عادات القبائل في الشمال انه عند حدوث حادث قتل "مثلا" يتدخل الشيوخ والوجاهات القبلية عند اولياء الدم من اجل التوسط بينهم وبين قبيلة القاتل ويلزمونها بتقديم ثور او اكثر حسب حجم القضية والذهاب الى اولياء الدم وتقديمها لذبحها وطلب العفو والسماح او قبول دفع مبلغ من المال "يسمى لوم الدم" ويكون القاتل مسئول عن فعلته دون باقي افراد القبيلة، لكن غالبا يتم العفو والسماح من قبل اولياء الدم. وفي بعض القضايا تكون العقيرة جزء من الحكم عند أحد المشائخ بحيث يحكم على المدان بعدد من الثيران عقيرة عند الطرف صاحب الحق.
وفي كل الأحوال يكون هذا الحيوان "الثور" ضحية ثقافة المجتمع القبلي الذي اعتبرها عادة يجب القبول بها عبر العصور، فكلما أحدث قبيلي مشكلة كبيرة او صغيرة يكون الثور المسكين ضحيتها.
لكن في الحقيقة فإن هذا الحيوان له فضل كبير في حل القضايا وساهم في عتق رقاب كثير من القتله.
والغريب العجيب ان هذه الثقافة امتدت الى دوائر الحكم والدولة حتى وصلت الى وزارات الدولة وتقديم البقر قربان على أبوابها للإحتكام من قبل مرتكب الخطأ ضد الوزير مثلاً، ويكون هذا التصرف عادي بموجب الأعراف والأسلاف القبلية التي تحكم الدولة في الشمال.
في احدى المرات تم جلب مجموعة من الثيران الى بوابة مجلس النواب اليمني لتقديمها (عقائر) واحتكام عن خطاء قام به شخص ضد رئيس مجلس النواب.
وفي كل الأحوال فإنها ثقافة من الصعب القضاء عليها خصوصا في ظل غياب تطبيق النظام والقانون على الجميع.
في المحافظات الجنوبية وخاصة بعد عام 1990 عندما اختلطت الأعراف القبلية تجد بعض المشائخ يحكمون بمثل هذه الاحكام مع الفارق بين " الثور الخروف" لأنه لا يوجد ابقار في الجنوب استعاضوا عنها بالخرفان.
ومن المعلوم ان " العقيرة والتعشيرة" موجودة في بعض الأحكام القبلية في الجنوب منذ وقت طويل ولا زالت الى اليوم.
ان الأعراف القبلية والإرث الثقافي القبلي متجذر في مجتمعنا وقد ساهم في حل كثير من القضايا كبيرها وصغيرها ولولاه لأصبح الجنوب غابة يأكل القوي فيها الضعيف لكنها حالت دون ذلك (وهذا رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ).
ومع تأييدنا لهذه الأعراف القبلية التي اسهمت في تماسك المجتمع وبقاء لحمته وحلت قضاياه في غياب الدولة، إلا انها لن تكون بديلا للنظام والقانون الذي يساوي بين الناس، واننا نتوق الى ذلك القانون العادل الذي لايفرق بين قبلي ورعوي وشيخ ومشيخ وكبير وصغير، ويحاسب الجميع دون تمييز.
عبدالله سعيد القروة
25 يوليو 2024