أولًا: ارتفاع مخاطر الكلفة الاقتصادية العالية للعدوان الإسرائيلي، بعد تكثيف الحوثيين "أنصار الله" في اليمن، هجماتهم على السفن التجارية الإسرائيلية أو المتجهة صوب إسرائيل في البحر الأحمر، مما يهدّد بأزمة كبيرة ستؤثّر على حركة النقل الدولي، والاقتصاد العالمي.
فمنذ أن استولى الحوثيون على سفينة "غالاكسي ليدر"، يتجنّب كثير من السفن المرتبطة بإسرائيل المرورَ في البحر الأحمر، وتضطر هذه السفن إلى الدوران حول أفريقيا، مما يعني ارتفاع تكاليف النقل والتأمين!
ثانيًا: الانكشاف العسكري الإسرائيلي الكبير، مما يعرض مجمل المصالح الأميركية في المنطقة إلى خطر كبير.
ثالثًا: الخلاف الحاد بين نتنياهو والإدارة الأميركيّة بشأن "حل الدولتين"؛ إذ أكد نتنياهو عزمه على "السيطرة الأمنية" على قطاع غزة عقب "القضاء" على حماس، وعموم المقاومة الفلسطينية، رافضًا أن تتولى إدارة الرئيس، محمود عباس، تلك المهمة، وذلك على عكس رغبة واشنطن .
رابعًا: محاولة استنقاذ سمعة الولايات المتحدة خاصة، والغرب بصفة عامة، بعد التورط الفجّ في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ مما أدّى إلى تصاعد الاحتجاجات ليس ضد إسرائيل فقط، بل وضد الولايات المتحدة بصفة خاصة.
وهو الأمر الذي دفع بايدن إلى القول: إن "هناك مخاوف حقيقية في مختلف أنحاء العالم من أن تفقد أميركا مركزها الأخلاقي؛ بسبب دعمنا إسرائيلَ". وإن كان من المشكوك فيه أن تنجح واشنطن في غسل سمعتها من جديد؛ بسبب دعمها غير المحدود إسرائيلَ في عدوانها الوحشي.
الخيارات المطروحة أمام إسرائيل :
الخيار الأوَّل: الاستجابة لمطالب بايدن، بإجراء تعديلات على حكومته، إذ يريد الرئيس الأميركي الإطاحة بوزراء اليمين المتطرف، وفي مقدمتهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
لكن هذا السيناريو كفيل بانهيار الحكومة الإسرائيلية، والذهاب إلى انتخابات مبكرة في وقت بالغ الصعوبة والحساسية؛ إذ تشير استطلاعات الرأي إلى خَسارة متوقعة لنتنياهو وحزب الليكود، الأمر الذي سيؤدي إلى استئناف محاكمة نتنياهو والزجّ به في السجن.
الخيار الثاني: إعلان وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما يعني أيضًا حل الحكومة، إذ سبق وهدّد بن غفير بأن أي وقف للحرب معناه سقوط الحكومة! مع تداعيات ذلك على نتنياهو شخصيًا، الذي يدرك أن أبواب الجحيم ستفتح في وجهه في اليوم التالي لسقوطه، ليس فقط على مستوى المحاكمات بسبب الفساد، ولكن أيضًا بسبب ما سيتكشّف للرأي العام الإسرائيلي من وقائع الإخفاق الكبير المستمر منذ السابع من أكتوبر، كما سيقف العالم على تفاصيل وحقائق جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في غزة.
الخيار الثالث: تجاهل مطالب الولايات المتحدة وحلفائها، الأمر الذي سيقود إلى تأزيم العلاقة بين بايدن ونتنياهو بصفة خاصة، وسيشجّع الأطراف الإسرائيلية الداخلية على التصعيد السياسي، خاصة أنَّ زعيم المعارضة، يائير لبيد، لا يتوقف عن المطالبة برحيل نتنياهو بصفة خاصة، معتبرًا أنه "فقد ثقة غالبية الشعب والعالم".
لكن مع ذلك فإن هذا الخيار يبدو الأقرب حتى الآن – رغم آثاره – بالنظر إلى طبيعة نتنياهو، وسلوك حلفائه اليمينيين داخل الحكومة، لكن مع إمكانية التوصل إلى هدن إنسانية محدودة.
أخيرًا؛ ما كانت الأمور تصل إلى هذا التعقيد، لولا الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، والتضحيات الهائلة التي لا يزال أهل غزة يقدمونها من دمائهم وأبنائهم.
وصدق الله العظيم القائل : “إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ “* صدق الله العظيم .
د . علوي عمر بن فريد