ستكون هذه المرة هي الرابعة التي تأتي اليمنيين فيها البشارة من الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية الشقيقة، فقد كان مؤتمر الرياض الأول في النصف الثاني من مايو عام 2015م في أوجَّ عدوان التحالف الانقلابي (الحوثي-العفاشي) على عدن والمحافظات المجاورة لها بجانب الهجمات على الجماعات المقاومة للمشروع الانقلابي في بعض مديريات إب وتعز ومأرب والحديدة وذمار.
وتمخض المؤتمر عن "وثيقة الرياض" التي أكدت على "استعادة شرعية الدولة وبناء دولة اتحادية تحتفظ بمكانتها في الأسرة الدولية".
وتمثلت البشارة الثانية في "اتفاق الرياض" الموقع في 5 نوفمبر 2019م بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي والتي تمخضت عن تشكيل حكومة مناصفة تتولى توفير الخدمات والمرتبات وإنها الحرب في أبين وشبوة وحشد الطاقات لهزيمة المشروع الانقلابي الحوثي المدعوم من إيران.
وجاءت "مشاورات الرياض" مطلع أبريل 2022م كبشارة ثالثة استمر فيها المتشاورون عشرة أيام وتمخضت عن نقل السلطة من الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي مع التأكيد على إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق السلام وحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ووضع إطار تفاوضي خاص بالقضية الجنوبية في إطار مفاوضات الحل النهائي.
واليوم تأتي البشارة الرابعة لتقول لليمنيين إن سلاماً قادماً يطرق أبوابهم وإن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية سوف يتم التغلب عليه بفضل الاتفاق المزمع إبرامه بين أطراف الشرعية والجماعة الانقلابية الحوثية.
لن أخوض في التسريبات التي بدت هذه المرة متوافقة بين جميع المصادر الإعلامية والتي تتحدث عن اتفاق أولي يشمل الجانبين الإنساني والاقتصادي، لكنني سأتوقف على عجل عند السؤال: ما الذي تحقق من نتائج البشارات الثلاث السابقة؟
فالنجاح المحقق من مخرجات مؤتمر الرياض الأول تلخص في تحرير محافظات عدن والضالع ولحج وأبين وبعض مديريات شبوة من الجماعة الانقلابية وقواتها، وتحرير مديريات ساحل حضرموت وبعض مديريات شبوة وأبين من المعسكرات والجيوب الإرهابية التابعة لتنظيمي داعش والقاعدة، ومقابل ذلك استكملت الجماعة الحوثية إجهازها على محافظات صنعاء ومأرب والبيضاء والجوف التي أسقطتها في أقل من شهرين، حينما انسحبت منها قوات "الجيش الوطني"، "لتحرر" المناطق المحررة في أبين وشبوة الجنوبيتين.
ولم ينفذ من اتفاق الرياض سوى تشكيل حكومة "المناصفة المغشوشة" التي استبسل رئيسها ووزراؤها في "الحفاظ" على معدل الفساد فيها، وتوسيع دائرته وتفريغ البنك المركزي من كل موجوداته المالية-النقدية وزيادة معانات المواطنين الجنوبيين من خلال سياسات التجويع وحرب الخدمات، بمقابل استشراس الجماعة الحوثية واستئسادها في وجه مواطني الشمال وتوسيع دائرة القمع والنهب والاستحواذ في ظل التهدئة الكلية بينها وبين دول التحالف العربي والغياب الكلي لما كان يُعرَف بــ"الجيش الوطني".
وفشل مجلس القيادة الرئاسي في إحداث أي مؤشر من مؤشرات التحسن في أداء أجهزة "الدولة المفترضة" عدا في محاولة تفكيك المجتمع الجنوبي وزرع جيوب مناطقية واستقطاب بعض الجماعات من دائرة التمسك بالمشروع الجنوبي إلى دائرة الحفاظ على "الشرعية الغائبة-المغيبة" مع استمرار عذابات الجنوبيين وحرمانهم من أبسط المتطلبات الحياتية الأولية، بمقابل ترسيخ دائرة نفوذ وقوة الجماعة الحوثية في ظل رفع الحصار عليها ومدها بالطاقة المعنوية والمادية لتواصل عبثها بمقدرات وحقوق وحريات المواطنين الشماليين وفرش الطريق للاعتراف بها كحكومة أمر واقع ونزوعها لتمديد نفوذها على أرض الجنوب.
لا يوجد شخص طبيعي على هذه الأرض لا يميل إلى السلام وتوقف الحرب واستئناف الناس لحياتهم الطبيعية الآمنة والمستقرة ولو في أبسط حدودها ولهذا فقد تقاطرت أطراف الشرعية على تبايناتها إلى الرياض ربما للاستماع إلى ما سيتناوله الاتفاق المزمع، أو لخوض النقاشات في الممكن وغير الممكن فوراء العناوين الجميلة والشعارات البراقة توجد التفاصيل التي يكمن الشيطان في ثناياها كما يقال.
لن أتوقف طويلاً عن السؤال : لماذا أخفقت كل البشارات السابقة وتحولت إلى خيبات بالنسبة لجميع اليمنيين، باستثناء الجماعة الحوثية التي حصدت كل مخزونها المعنوي والمادي من تلك الخيبات، لكنني سأختصر الرد في ثلاثة عناوين:
ويبقى السؤال: هل سيلتقط المحاور الجنوبي ما تضمنته المبادرة المسربة عن تشكيل حكومتين في كل من صنعاء وعدن ليجعل الجنوب وأرضه وشعبه وموارده بيد أبنائه بعيداً عن وصاية الأشقاء؟
هذا السؤال يمكن مناقشته بتوسع في وقفة قادمة.
" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"