ما جرى فجر اليوم السبت (٧ أوكتوبر ٢٠٢٣م) من هجمات فلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية بمحيط قطاع غزة، لم يكن متوقعاً حتى من قبل أكثر المتفائلين من أنصار القضية الفلسطينية، ليس فقط من حيث زمان ومكان العملية النوعية الخاطفة والعاصفة التي نفذتها حركات المقاومة الفلسطينية، من داخل المناطق المحتلة وفي ما يسمى مستوطنات "غلاف قطاع" غزة بل ومن حيث نوعية العملية وطبيعتها المفاجئة وحجم الهجمة وحجم الخسائر التي ألحقتها بالجيش والنظام والهيبة الإسرائيلية.
نوعية العملية لا تكمن في الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي ألحقت بجيش الاحتلال الاسرائيلي، ولكن في ذلك الكم النوعي (نقيض النوع) الذي شكَّل صدمة سياسية ومعنوية ونفسية لإسرائيل وجيشها بقبته الحديدية وقدراته النوعية والتكنولوجية.
* 5000 صاروخ استخدمتها المقاومة الفلسطينية ضد المواقع الاستراتيجية العسكرية.
* عملية الاقتحام شارك فيها آلاف الفدائيين الفلسطينيين من حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي، ونفذوا العملية بمهارة وإتقان فائقين لم يسبق لهما مثيل طوال فترة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
* قرابة المائة قتيل ومئات الجرحى وعشرات الأسرى من جنود ومجندي الجيش الإسرائيلي وهي أمور لم يسبق لها مثيل منذ قيام إسرائيل.
* اجتياح كامل من قبل رجال المقاومة الفلسطينية لعدد من المستوطنات في ما يسمى بــ"غلاف قطاع غزة" وأسر العشرات من جنود وضباط ومجندي القوات الإسرائيلية مع أسلحتهم وآلياتهم التي كسبها المقاومون كغنائم، وهو ما لم يحصل طوال تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
لا تكمن أهمية تلك المعطيات في نوعها وكميتها، ولكن في مغزاها ومعناها ومدلولاتها السياسية والاستراتيجية والنفسية والمعنوية الاستثنائية بالنسبة لدولة كإسرائيل تعتبر مجرد التفكير في مواجهتها ولو من قبل أعتى الجيوش يمثل مغامرة انتحارية، فما بالنا بمنظمات تعيش حصارا لم تعرف أية منظمة (مقاتلة) في العالم.
شبَّه بعض الزملاء ما جرى اليوم بما جرى في ٦ اوكتوبر قبل ٥٠ عام حينما عبر الجيش المصري خط بارليف وفتح الطريق لتحرير شبه جزيرة سيناء، غير إنه من السابق لأوانه وضع تقييم كلي لهذه العملية النوعية وتداعياتها.
ومع ذلك فإن عملية اليوم قد خلقت معطيات وحقائق جديدة لا يمكن الاستهانة بها أو القفز عليها أهم هذه المعطيات والحقائق تكمن في:
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وعناد هو: أين سيتجه المجتمع الإسرائيلي بعد عملية 7 أوكتوبر؟
هل سيعيد الساسة الإسرائيليون مراجعة فلسفتهم السياسية القائمة على الاستقواء والاستكبار والاعتقاد بأنهم قوة لا تقهر وأن معايير التعامل بين البشر لا تنطبق عليهم، ومن ثم تصعيد المواجهة والتضحية بأكذوبة الرفاهية الوهمية التي وعد بها زعماء إسرائيل المستوطنين الذين استقدموهم من كل بقاع العالم؟ أم سيعودون إلى رشدهم ليقتنعوا بأن السلام والأمن والاستقرار لن يكون إلا للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي معاً، وأن محاولة الابتلاع والقضم التدريجي لن تعطي من النتائج إلا مثل تلك التي جرت اليوم وقد تستمر طويلاً، وقد تتكرر كثيراً؟ لأنه لا يوجد شعب في العالم يقبل الإزالة من الوجود، وحتى شعوب الهنود الحمر في الأمريكيتين لم يستطع الاستعمار الأوروبي إزالتها رغم القرون التي مضت ورغم الوسائل الفتاكة التي استخدمت معهم في عز قوة الاستعمار الأوربي لبلدانهم.
ثم كيف سيقنع قادة إسرائيل أبناء الأجيال الجديدة من المستوطنين بأن بقاءهم في إسرائيل فيه مصلحة لهم وهم الذين تركوا أراضيهم وممتلكاتهم في بلدان القدوم في سبيل الاستقرار والرفاهية الوهميين الذين وعدتهم بيها إسرائيل فكذبت عليهم؟
وللحديث بقية.