شكل تكليف الدكتور رشاد العليمي في نهاية اجتماعات مشاورات الرياض، وإعلان بيان نقل السلطة الصادر من قبل الرئيس الشرعي (حينها) الفريق ركن عبد ربه منصور هادي، شكل مفاجأة للجميع بما في ذلك للمقربين منه من أبناء محافظة تعز وغير تعز ممن عملوا تحت قيادته في وزارة الداخلية وفي جميع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بعد أن غدا نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع ورئيس اللجنة الأمنية.
ويكمن عنصر المفاجأة في أن رشاد العليمي لم يكن الخيار الأفضل ولم يكن يمتلك من المؤهلات ما يجعله الشخصية المقبولة لدى جميع الأطراف في العملية السياسية وفي الصراع الدائر في اليمن.
هذا الكلام لا يمثل تجاهلاً لمقدرات الرجل كشخصية أسفنجية تتميز بالمرونة والمطاطية، والثعلبية ونعومة الموقف المعلن والتخفي وراء العبارات الزئبقية التي لا تخلو من عنصر المجاملة، بيد إن ملفه المكتظ بالجرائم والانتهاكات الجسمية بما فيها تبرير القتل العمدي الذي مارسته أجهزته الأمنية ضد المعارضية السياسيين وأبرزهم نشطاء الحراك السلمي الجنوبي، كل هذا يؤكد المقولة بأن ما يكشف جوهر الإنسان هو أفعاله على الأرض وليست كلماته وأقواله مهما كانت نعومتها وحلاوتها.
وحينما كنا نحذر بأن الرجل سيقود البلاد إلى الكارثة كان المدافعون عنه يتحججون بأن الرجل شخصية ودودة ومسالمة، فضلاً عن حيازته على الشهادة العلمية الرفيعة، وتجربته مع الرئيس علي عبد الله صالح، طوال فترة ما قبل 2014م.
وعلى العموم فقد كانت فترة السنوات الثلاث ونيف من تسنُّم الرجل للموقع الأول في دولة الشرعية التي تحكم الجنوب وبعض مديريات شمالية، كانت كافية لكشف قدرات الرجل من عدمها، فمنذ مجيئه وهيمنته على قرار مجلس القيادة الذي يرأسه، ازدادت الأمور تدهوراً وانهياراً في جميع مجالات الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والخدمية والدفاعية والإنسانية والمؤسسية والقضائية والنيابية والتشريعية، وبرهن الرجل ليس فقط عجزه عن ابتكار أية معالجات ولو وقتية أو عاجلة لإنقاذ ما تبقى من ملامح الدولة من الانهيار، بل إنه برهن مهارته في صناعة حرب معلنة ضد أبناء المحافظات التي يديرها والتعامل معهم كمجموعة كائنات فائضة عن الحاجة يستحسن التقليل من أعدادها لتخفيف الأزمة المستفلحة، ونحن حينما نتحدث عن الأزمة المستفحلة لا نحتاج لحشد الشواهد والتفتيش في قرائن في الخفايا غير المرئية بل لقد صار الجاهل والمتعلم والصغير والكبير والصغير والقريب والبعيد يعلم أن كل مقومات الحياة في محافظات الجنوب تقترب من الانعدام، ونحن هنا لا نتحدث عن الكماليات ولا حتى عن الحاجيات القابلة للاستغناء، بل نتحدث عن مقومات أساسية باستمرار غيابها تغيب الحياة نفسها، ابتداء بالخدمات الطبية وخدمات الوقود والكهرباء ومياه الشرب حتى انهيار سعر العملة وانقطاع دفع مرتبات الشهرية لموظفي الدولة ومتقاعديها من العسكريين والمدنيين حتى صار خبر تسليم راتب شهر لما قبل ستة أشهر خبرا عاجلا يتصدر العناوين الرئيسية للصحف والمواقع الإلكترونية وكأنه يبشر باكتشاف كوكب جديد في المجموعة الشمسية، أو حدوث زلزال بعشر درجات على مقياس ريختر، . . .كل هذا والرجل يتعامل مع البلد وأهلها، وكأنه سائح أجنبي مر بالصدفة بهذه البلد بالتزامن مع هذه الانهيارات المتواصلة.
قلت ذات مرة في أحد منشوراتي إن خطيئة اختيار رشاد العليمي رئيسا للشرعية التي تحكم الجنوب وثمان مديريات صغيرة في الشمال، لا تختلف عن اختيار عبد ربه منصور هادي رئيسا للجمهورية العربية اليمنية (السابقة) حيث قاطعت محافظات الجنوب اختياره لأسباب لا تتعلق بشخصه بل رفضا للنظام الذي كان يمثله،. . . .وملخص الفكرة إن اختيار رئيسٍ لشعب غير شعبه وأرض غير أرضه هي خطيئة سواءً حينما يكون رئيسا شماليا للجنوب أو رئيسا جنوبيا للشمال، مع فارق أن الرئيس الشرعي هادي لم تكن له سوابق سيئة في تعامله مع أبناء الشمال بعكس رشاد العليمي الذي يكتظ ملفه بآلاف الجرائم الجسيمة في حق أبناء الجنوب ، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، لأن من بينها جرائم ضد الأنسانية وجرائم القتل الجماعي.
اليوم حينما يستنجد العليمي بالأشقاء في المملكة العربية السعودية ويطالب منهم توجيه ضربة عسكرية للقوات الجنوبية التي قطعت له الذراع الإيراني في المنطقة العسكرية الأولى، ويعتقد أنه قد نجح في دق إسفين بين المملكة وأوفى وأصدق حلفائها على أرض الجمهورية اليمنية (المفترضة) فإنه بذلك يؤكد أنه يحكم أرضاً ليست أرضه وشعباً ليس شعبه، بل أرضاً وشعباً في نظره عدوين يستحقان التأديب والتركيع، وهو ما يعني أنه قد قرر الانصراف عن هذه الأرض وهذا الشعب وعدم العودة إليهما، لكنه لم يتعلم من درس الرئيس هادي (أطال الله بعمره) الذي غادر المشهد بشرف واحترام عاليين وترك الذكرى الطيبة في قلوب من كان يدير شؤونهم، بل استدعى خيار نيرون الذي يعبر عنه المثل الشعبي القائل "إذا كنت رايح . . ."
واختصارا للحديث ليسمح لي رشاد العليمي أن أتوجه إليه بنصيحه قد تخدمه أكثر مما تخدم الشعب الجنوبي الذي أمعن فيه قتلاً وفتكاً وحرباً وتجويعاً، وأقول له إن عودتك إلى عدن غدت مستحيلة، ليس لأن أحداً سيغدر بك أو ينتقم منك على جرائمك في حق أبناء الجنوب، فهذا العقاب لن يكون إلّا عبر القضاء العادل، وفي بيئةٍ أمنية وقضائية أخرى غير بيئة اليوم، ولكن لأنني أفترض أن لديك بعضاً من بقايا لفضيلة الخجل وغريزة الحياء، اللتان تحولان دون مواجهتك للشعب الذي تحرض دولة شقيقة لضربه بعد أن فشلت في قتل روح المقاومة لديه وتحدي تمسكه بعدالة قضيته من خلال حروبك الممنهجة ضده على مدى ثلاث سنوات ونيف، ولذلك أنصحك بتقديم استقالتك واعتذارك للشعب الجنوبي والشعب اليمني بعامته، وطلب الصفح عمَّا ألحقت به من أذىً منذ توليت ملف وزارة الداخلية في العام 2003م حتى الاسبوع الأخير من الشهر الأخير من العام 2025م.
فإذا ما فعلت هذا ستكو ن قد خرجت من المأزق الذي وضعت نفسك فيه، وفي هذا مصلحةً لك ومصلحة لمن شكل وجودك كابوساً رهيباً في حياتهم من أبناء الجنوب ومديريات الشمال.
ـــــــــــــــــــــــــــ
• كتب هذا المنشور قبل انتشار الأخبار التي تتحدث عن ضربة جوية لميناء المكلا التي قيل إن من وجهها هو قوات التحالف العربي، وهذا الموضوع، سأتوقف عنده في تناولة لاحقة، لكنه يتكامل مع ما تضمنته هذه الوقفة.
عيدروس نصر ناصر