للمرة الأولى في تاريخ الصراعات يتحول شريك الحرب إلى وسيط، وتصبح الوساطة كما تُفهم من دلالة الكلمة ،لا تجمع الأطراف المتصارعة ،بل الوسيط وأحد أطراف الحرب.
السعودية تفاوض بالأصالة عن نفسها وبالإنابة عن حلفائها، وبهذا تجمع الصفتين معاً الوسيط المحارب أو بالأصح المتقاعد المسرح من جبهات القتال، بعد أن أهدرت تسع سنوات في صحراء لا تطرح نصراً، ومستنقعاً يمنياً متمرساً أفراده على الفقر والحرب ، حتى يكاد يأخذون منها مهنة، ويستدعونها كلما أحتاج أحدهم لمصروف جيب وكيس قمح ،وفي السياسة كلما احتاج فريق لتصدير ازمة.
ليس لدى اليمني مايخسره في بلاد بلا بنية تحتية ،وشعب يعيش تحت خط الفقر ، وبعلاقة تتداخل الكرامة مع السلاح ، لن يرمي بندقيته وسيسلمها حين يدنو حتفه ، كوصية للأبناء، في اليمن حرب تلد حرب .
أدركت السعودية إنها تحارب من أجل لاشيء، أي من أجل نصر مستحيل وأهداف عصية على التحقق، لهذا هي تفاوض لضمان أمنها وحصر أضرار الإنسحاب من هذه الرمال اليمنية العاصفة بأقل قدر من الخسائر.
راهنت السعودية على جيش مختطف وسياسيون تجار مواقف وقادة تجار حرب، وبنية عسكرية مؤدلجة فكانت النتيجة حصاداً مراً، لم تحقق إختراقاً لم تسقط إنقلاباً وأستبدلت إستعادة صنعاء بالتفاوض معها ،ومن حقها أن تحمي مصالحها ، ولكن ليس من حقها أن تلغي طرف القوة الآخر في المناطق الجنوبية المحررة ، وتقدم حقوقه المنتزعة بكثير من التضحيات ،هدية مجانية وورقة مساومة تعالج بها هواجس أمنها وتبيع أمن ومصالح وحقوق الآخرين.
مارشح حتى الآن من اروقة الرياض هو كل ماكنا نعرفه ، ولكن ليست هذه كل مسألة التفاوض ، الهدنة المستدامة والرواتب والمطار والموانئ وإقتسام الثروات ، كل هذه الموضوعات المسربة مراراً ،هي رأس جبل الجليد تم إشباعها بحثاً في مسقط وصنعاء ، ما يجري في الرياض هو مفاوضات سياسية، تأخذ من هذه العناوين مدخلاً وتذهب عميقاً بإتجاه الملفات المفتاحية، ذات الصلة بترسيم التسوية النهائية والإتفاق على شكل الدولة ،وتوزيع حصص مقاعد الحكم، بتمثيل شكلي للشرعية وبثقل معطل للحوثي ، وبتصفية القضية الجنوبية أو حصر مكاسبها في أضيق نطاق.
الجميع في صورة الهدف البعيد من مفاوضات الرياض: الولايات المتحدة و الأمم المتحدة وبريطانيا وحتى موسكو وبكين، اللذين لم يتخذا في مجلس ألأمن أياً من المواقف المعلنة طوال الأزمة اليمنية، تتصادم مع واشنطن ولندن وعموم الغرب.
تأييدان متتاليان لمفاوضات الرياض جاءا تباعاً وفي يوم واحد ، مستشار الأمن القومي الإمريكي وبيان لوزارة الخارجية ، ما يعني أن البيت الأبيض في صورة المدى الذي ستذهب اليه هذه المباحثات، إن لم يكن عرابها وتحمل بصمته الجينية .
مرة أُخرى تتحلل الرياض من مسؤولياتها كطرف أساس في حرب السنوات التسع بكل آثامها وخيباتها، من خلال إرتداء عمامة الوساطة ، علها تقلص فواتير التعويضات وإعادة الإعمار ، وتستبدلهما برشى اقتصادية، بتمكين الحوثي من نفط الجنوب في خارطة طريق الحل وشكل الدولة المرتقب.
بإختصار وحتى لاتصل إرتدادات الخيبة من نتائج المفاوضات حد الصدمة:
مايحدث في الرياض تسوية ثنائية حوثية سعودية بأضحىٍ كُثر.
*- خالد سلمان