الأممية والعصبية لا يلتقيان !

2013-08-05 06:35

كنت في قمة الإعجاب والانبهار وأكثر تجاوبا مع ردود الفعل لما تشهده اليمن وتداعيات إحداثها المتسارعة كغيري ممن كانوا يقرؤون الأحداث بلحظة "الزمان والمكان" كنت محق وما زلت عند رأيي حين كتبت عنها رسالة أعجاب كثائرة تسابق الرجال في زمن الخوف والانكسار في (يوليو 2012) قبل نيلها جائزة "نوبل للسلام" في أواخر ديسمبر 2012م وهي في ذروة نشاطها تتصدر المسيرات في مواجهة نظام الرئيس المخلوع "صالح" حين قلت عنها في مقال أسبوعي بعنوان (مليون تحية للثائرة توكل كرمان!)  تداولته معظم المواقع والصحف اليمنية , أنه من السهل أن نطبع مليون نسخة من أمثال (الجندي والصوفي واليماني) ولكن من الصعب والمستبعد أن نجد نسخة مثيلة للناشطة الثائرة توكل عبد السلام كرمان  عقب عملية اعتقالها من قبل نظام الرئيس المخلوع .

 

ربما كانت الناشطة "توكل كرمان" قد استحقت بجدارة كل هذا الإعجاب تقديرا وعرفانا مني ومن غيري ممن أبهرتهم بصلابة مواقفها التي كانت تحرج الرجال وأن كانوا من العيار الثقيل , ونحسدها على هذا الاستحقاق النضالي المتوج بجسامة وعظمة تضحياتها التي اجترحتها في معمعان نضالها الثوري وهي تقاوم باستماتة قوية وشجاعة نادرة أسوا نظام حكم ديكتاتوري عائلي استبدادي همجي عرفته المنطقة العربية بامتياز, على أمل الخلاص منه وقلعه من جذوره وهذا ما جاءت به ثورة شباب التغيير في اليمن -التي لعبت فيها الناشطة "توكل كرمان" دور ريادي متميز وهي تصول وتجول بكل كفاءة واقتدار تتفقد وتوجه وتقود ساحات التغيير في معظم ساحات صنعاء التي كانت لا تبارحها لحظة واحدة ومن خيمتها المعروفة تلقت نبأ نيلها جائزة نوبل للسلام من زميل صحفي كان له السبق في إبلاغها هذا الفوز العظيم كما روت ذات يوم!

 

تضامنا مع الأخت والزميلة الناشطة الأممية توكل كرمان ونأسف لتصرف الطرد ومنعها من دخول مصر الكنانة بهذا الأسلوب المهين !

 

لكننا لسنا مع موقف السيدة "كرمان" كناشطة أممية باعتبارها حاملة لجائزة "نوبل" للسلام  ومهما بررت ذهابها إلى مصر الذي قالت في تصريحات نشرت لها أمس على موقع "عدن ألان" أن ذهابها ليس لعودة "مرسي" ولكن للدفاع عن الديمقراطية الناشئة على حد وصفها.

 

هذا الموقف المتحيز بذهابها إلى "رابعة العدوية" الذي روجت له أكثر من أسبوعين وهي تدلي بتصريحات تعلن فيها الذهاب إلى مصر للانضمام إلى المحتجين في "رابعة العدوية" المطالبين بعودة الرئيس المعزول قد استفز مشاعر مواطني وشعب مصر الشقيقة الذي رأت فيه كثير من قوى ومؤسسات وشخصيات المجتمع المصري تحيزا استفزازيا علنيا سافرا ويخل كثيرا بمثل وقيم رسل السلام العالمي ممن يحرصون على عدم الإفصاح حتى عن مشاعرهم "الشخصية" عند خوضهم لأي نشاط دولي بدواعي الحرص على توازن مواقفهم الدولية غير المنحازة للحفاظ على منظومة الأمن والسلام العالمي .

 

وهو ما أعطى السلطات المصرية الذريعة القانونية بمنعها من دخول أراضيهم كغير مرغوب فيها وكمتهمة بالتحريض على الفتنة والتدخل في الشأن المصري أخلت تصريحاتها الصحفية المتلاحقة بمهنيتها الأممية في مجال "السلام العالمي" وكشفت بتحيز مواقفها وجاهرت بالتدخل السافر في الشأن الداخلي لدولة مستقلة ذات سيادة بصفتها الأممية كناشطة دولية في مجال الحريات والحقوق الديمقراطية والسلام والأمن الدوليين !

 

كان الأجدر بها أن تدلي برأيها "المهني أو الشخصي" من أي بلد خارج مصر وستصل رسالتها إلى ذوي الشأن في مصر والى دوائر الاهتمام الدولي كما يفعل الساسة ونشطا السلام وحقوق الإنسان الآخرون , دون الحاجة إلى مثل هذا الموقف الاستفزازي لمشاعر شريحة واسعة من المصريين الذي وجدت نفسها "تدري أو دون تدري" في مواجهة مباشرة , علنية ومكشوفة مع شعب مصر العظيم , وأحرجت نفسها دولياً, مع أهم المؤسسات الدولية المعنية ذات الصلة بنشاطها والأمن والاستقرار الدوليين , ما وضع مصداقية نشاطها الدولي في مجال السلام العالمي على المحك.

 

لكن كما يقال للسياسة طقوسها المتغيرة وغير الثابتة كمبررات تبدل مواقف الساسة بطبيعة تبدل مواقعهم ومصالح أحزابهم ولا اعتقد أن كرمان حالة نادرة قد تشذ عن القاعدة وليس "محرم ولا مكروه" أن يتغير نمط خطابها السياسي بين مطلب التغيير في اليمن في الإطاحة بصالح ونظامه العائلي وبين التزام الساسة لعقائدهم السياسية وأجندة أحزابهم وهذا ما ألقى باثرة السلبي على نشاط السيدة "توكل كرمان" ما افقدها التمييز بين شخصية الانتماء الدولي وعصبية الولاء الحزبي الديني والعقائدي , ربما لقلة خبرتها السياسية , ونتيجة لصغر سنها, ما جعلها تائهة بين خيارين لا يلتقيان إلا بأذن الله .

 

وهي معادلة غير متكافئة في أطروحاتها كناشطة "أممية" حين نقارن بين تذبذب مواقفها السياسية كموقفها المبالغ فيه واستماتتها القوية غير المبررة لاستعادة الشرعية الدستورية في مصر ودفاعها عن الديمقراطية الناشئة في مصر وبلدان الربيع العربي كما تدعي في تصريحاتها المتتالية وبين غيابها الحضوري والإعلامي السلبي تجاه القضية الجنوبية , وتراجعها عن مؤازرة الشعب الجنوبي في نضاله السلمي العادل وحقه في تقرير مصيره !

 

[email protected]