لم يكف المفلسون سياسياً عن أستعادة محاولة زراعة البغضاء ونشر الضغينة بين أبناء الجنوب باستدعاء أحداث ووقائع مضت عليها عقود من الزمن، وطوتها ثقافة التصالح والتسامح، وغمرتها سيول جارفة من أعمال القمع والعدوان والاجتياح والاحتلال، التي شملت كل أبناء الجنوب من أقصاه إلى أقصاه، لكن هؤلاءِ المفلسين لم ييأسوا من إعادة محاولاتهم زرع الفتنة واستنبات بذور الكراهية ومحاولة البحث عن مغفلين جنوبيين عسى أن ينساقوا وراء منطقهم المريض بشيزوفرينيا السياسة واكتئاب الخبيات المتتالية.
البحث عن بعض الهفوات الصغيرة لأفراد هامشيين محسوبين على الثورة الجنوبية وتضخيم بعض الإجراءات القانونية وإلباسها لباس المناطقية والجهوية أو فبركة أحداث ووقائع لا وجود لها لبناء ادعاءات زائفة تستهدف تحريض الجنوبيين ضد بعضهم البعض، كل هذا لا يدل فقط على الإفلاس السياسي والأخلاقي بل وعلى حالة مرضية بلغت من السوء درجات لم تعد معها قابلة للعلاج.
فحينما يقوم أحد الأسماء المحسوبة على الشرعية ممن منحتهم (هذه الشرعية) ألقاباً أعلى من مستوياتهم ومواقعَ أكبر من أن تتسع عقولهم المريضة لاستيعاب معانيها، عندما يقوم أحد هؤلاء بتحريض أبناء منطقة أو محافظة ضد أبناء منطقة أو محافظة أخرى ويطالبهم بقطع الطريق على أبناء تلك المنطقة أو المحافظة فإن الأمر يخرج عن نطاق البذاءة اللفظية أو الانحطاط الأخلاقي ليدخل في نطاق العمل الجنائي الذي يستدعي وقوف صاحبه أمام القضاء ليقول فيه القاضي المختص كلمته.
أعرف أن القضاء لا يعمل لأنه مجمد بفعل فاعل، وأعرف أن الجاني يراهن على الحصانة التي يعتقد أنها ستحميه من تبعات كل فعل مشين يرتكبه، وعلى حماية الدولة التي يقيم على أراضيها، لكن هذا وأمثاله ينسون أن هناك قاضي لا يعترف بالحدود ولا بالحصانات ولا بحماية الدول مهما صغرت أو كبرت، وأنه مؤهل لإصدار حكمه دونما حاجة إلى مراسيم ادعاء ومرافعات دفاع ، . . . إنه الشعب الذي علمته فطرته الطبيعية كيف يميز بين الحقيقة والزيف وبين الحق والباطل، وبين من يدافع عن القضايا الوطنية ومن يلبي طلبيات دافعي المكافآت
* * *
أطرف ما في منطق دعاة المناطقية والجهوية أنهم يصفون غزاة 1994م بالأبطال والأشاوس ومثبتي "الوحدة اليمنية" التي يقولون أنها وجدت لتبقى ولن تزول، وبعد هذا يطلبون من الشعب الجنوبي أن يصدقهم ويسير وراءهم وإلا وصفوه بما وصف الشهيد الثلايا الدهماء الذين خرجوا يؤيدون حكم الإعدام الذي أصدره الإمام أحمد حميد الدين ضد الشهيد ذائع الصيت.
لقد كف الشماليون من عتاولة ٧/٧ عن التغني بالمناسبة البغيضة ربما لأن غريزة الخجل من نتائجها المخزية انبعثت لديهم، لكن عندما يتغنى بالمناسبة البغيضة أي جنوبي فإن النفاق يكون قد بلغ أبشع صوره وأشدها قبحاً.