بينما كنت أبحث عن أرخص الأشياء في أحد المعارض لبيع الملابس، إذا بصوت يأتي من خلفي ينادي، ويقول: يا فلان ارفع الكراتين، والقراطيس ونزلهم الكدافة، يا الله بسرعة المحل مليان كراتين وقراطيس، رد عليه ذلك الشخص، تمام، تمام، التفت عند سماعي الاسم ونبرات ذلك الصوت، وإذا هو أحد الزملاء من أساتذة الجامعة يعمل في محلات الملابس، وماذا كان عمله؟ إنه يعمل في رفع المخلفات من المحل.
التفت لأنظر لهذا الشخص وإذا به ملثم لا ترى إلا عيناه، ولكن نظراته لم تغب عني على الرغم ما فيها من الانكسار، حاول أن يداري عني عينيه، ولكنني تابعته بفضول، ولحقته حتى خارج المحل، وناديت عليه، يا دكتور، فالتفت إلي وقد دمعت عيناه، وقال: والله من أجل الأولاد عملت هنا، بحثت عن عمل آخر وبالكاد حصلت هذا العمل، فأنا أباشر منذ أن يفتح المحل حتى إغلاقه، ومن بداية شهر رمضان، والمقابل كسوة أولادي وكسوتي أنا والزوجة، وحسب قوله: وحق العيدية.
حاولت ألا أنظر في عينيه المغرورقتين بالدمع، وكنت أقول له من باب عدم جرح مشاعره: الشغل مش عيب، وشف لو في عمل باشتغل معكم، ابتسم ابتسامة يكسوها الحزن، وقال ربنا لا يحوجكم للعمل مثلي، فودعته بعدما عانقته، ولم أستطع مقاومة دموعي، فمسك بيدي، وقال: لا تخبر أي أحد بقصتي حتى أقرب المقربين منك، ولا تذكر هذا في الإعلام، ربنا يستر علينا وعليكم، طمنته بعدم ذكر ذلك، وبعد أن مر العيد، تواصلت معه، فقال لي: لن تصدق فرحة الأولاد والزوجة عندما أحضرت لهم كسوة العيد، والعيدية، والله فرحة لا توصف، وقال لي: اكتب عما رأيت ولكن لا تذكر اسمي، اكتب لعل الدكتور العليمي والزبيدي، ومعين يقرؤون عن معاناتنا، اكتب وقل لهم: إننا نمر بأتعس فترة في حياتنا، فرواتبنا لا تكفي لإيجار البيت، ولا لأساسيات الحياة، وأصبحنا عمالًا لرفع القمامة من المحلات، قلت له: والله أنت رجل شهم، وعملت عملًا شريفًا، فلم تسرق، ولم تأخذ حق أحد، ولم تبسط على أملاك غيرك، فأهنئكم بالعيد، فيكفي أنك أسعدت أولادك، ورفعت رؤوسهم أمام أصحابهم.
رسالة للدكتورين العليمي ومعين، هل رأيتم نظراؤكم من حملة الدال؟ كيف وصل بهم الحال؟ ورسالة خاصة للواء عيدروس الزبيدي، هل رأيت كيف وصل شعبك لهذا الحال؟ فمن منكم سيبادر لانتشال الأكاديميين أساتذة الجامعة من الوضع المزري الذي يعيشونه؟
د أنور الصوفي
.