لسنا بحاجة إلى الحديث عن معانات الجنوبيين خلال الفترة ما بعد 1994م، جراء الغزو والاجتياح والسلب والنهب والاستبعاد والإقصاء والحرمان وتدمير كل ما له صلة بالدولة ومعالمها وخدماتها وتفكيك أدواتها فكل هذا مسجل في ذاكرة كل جنوبي ومدون في تقارير الفعاليات والدراسات والبحوث وحتى تقارير اللجان الرسمية التي شكلتها السلطات من رجالاتها، وليس تقرير باصرة-هلال إلا واحدا منها وإن كان أكثرها وضوحاً ودقةً.
ولسنا بحاجة إلى التذكير بآلاف الضحايا من شباب الثورة الجنوبية السلمية وكل نشطاء الفعاليات السلمية الرافضة لسياسات ما بعد 7/7/1994م ومعهم عشرات آلاف الجرحى والمصابين والمعوقين وضحايا الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الصورية والأحكام المسيسة والجائرة، لسنا بحاجة إلى التوقف عند كل هذا فهو معروف لكل الجنوبيين وكل منظمات الحقوق والحريات الجنوبية ومعظم المنظمات الحقوقية العربية والدولية، وفي وثائق أجهزة دولة 7/7 نفسها، ولدى السيد رئيس المجلس الرئاسي منذ أن كان وزيرا للداخلية ثم رئيسا للجنة الأمنية (2003-2011م).
بيد إن ما يمكن التعرض له هنا إنه وبعد الانقلاب الحوثي العفاشي على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه الأستاذ خالد بحاح، وبعد نجاح الرئيس هادي في الوصول إلى عدن كان الاجتياح والغزو الثاني، ويعلم الجميع ما تعرضت له عدن والمحافظات المجاورة بما في ذلك محافظة شبوة من عدوان وقتل وتشريد وتدمير المنشآت والمصالح الحكومية والمؤسسات الخدمية ووالمباني السكنية ونؤسسات القطاع الخاص,
ولقد كانت مقاومة أبناء الجنوب وخصوصا محافظة عدن أشبه بالأعمال الإسطورية حتى تم طرد جحافل الغزوين الأول والثاني في 17 يوليو 2015م مع تحرير كامل محافظات لحج وأبين والضالع وأجزاء كبيرة من محافظة شبوة.
وبقدر ما كانت حرب ٢٠١٥ م عدوانية وإجرامية تجاه الجنوب والجنوبيين، وبقدر ما قدم الجنوبيون من تضحيات وما أبدوا من بطولات أسطورية فإن الخديعة هذه المرة لم تكن في الحرب ذاتها بل جاءت في أتون ذلك الانتصار الذي صنعه المقاومون الأبطال، وعلى رأسهم شهداء المقاومة البواسل بدءً بالشهيدين محمود حسن زيد وعلي الصمدي وليس انتهاء بالشهداء علي ناصر هادي و جعفر وأحمد سيف وعمر الصبيحي وأحمد الأدريسي، وآلاف من زملائهم ورفاقهم، مع حفظ الألقاب والمراتب.
لقد كمنت الخديعة في سرقة هذا الانتصار من قبل (الشرعيين) الذين تفرجوا على عدن وهي تذبح ثم عادوا ليخطفوا الانتصار بعد أن استعادت عدن والجنوب عوامل البقاء على قيد الحياة.
ولن نسترسل طويلا في شرح الانقلاب الناعم الذي أنجزه الشرعيون (الشماليون) بدءا باختطاف الرئيس الشراعي الفريق هادي بعد أن تخلوا عنه في محنته أثناء احتجاز تحالف الانقلابيين له وللحكومة ورئيسها وراحوا يتسابقون للبحث عن منافذ الهروب، مرورا بإقصاء نائب الرئيس الأستاذ خالد بحاح وهو رئيس الحكومة المنتخب من البرلمان، وانتهاء بإقصاء كل من اللواء الزبيدي واللواء بن بريك والدكتور الخبجي والأستاذ فضل الجعدي والأستاذ لملس محافظي عدن وحضرموت ولحج والضالع وشبوة وزملائهم الوزراء والمحافظين، وانتهاء بحرب الخدمات ومحاولات إعادة غزو الجنوب عن طريق مأرب- شبوة -أبين، وقصة غزوة خيبر الشهيرة بحجة تحرير الجنوب، من أهله.
لقد كانت نظرية الأقاليم التي سُوِّق لها في مؤتمر صنعاء هي المقدمة لهذه الخديعة لكن التداعيات التي تمخض عنها الانقلاب والغزو ورفض الجنوبيين لهذه النظرية الخرقاء مثلما رفضها الشماليون، قد تحولت هذه النظرية إلى أداة لتمرير الخدعة الثالثة.
فلقد بلع معظم الجنوبيين للطعم، وتفريغ الانتصار الكبير من مضمونه العظيم وتحويله إلى خطاف إعيدت من خلاله صيغة 1994م بثوب مهترئ يزعم صحابه أن جديد، وبقي الجنوب كما كان صبيحة 7/7 مع استكمال تدمير كل ما له علاقة بشيء اسمه الدولة، من خلال إشاعة الخراب والدمار والفوضى.
بتسليم انتصار 2015 للشرعيين الهاربين، وقع الجنوب والجنوبيون في المصيدة مرة أخرى ومرت الخديعة وكأن التاريخ يعيد نفسه على شكل مهزلة لا يستوعب مفارقاتها إلاالماهرون في فنون السريالية ومسرح الكوميديا السوداء
وللحديث بقية