لم تكن بواكير عمل مجلس النواب (طويل العمر) التي جرت خلال ثلاثة أيام في عدن مؤخراً بعد انقطاع قرابة العقد من الزمان، لم تكن مبشرة بالخير في أي ملمح من ملامحها.
* * *
سأتجاوز الحديث عن رفض الاعتذار للجنوب والجنوبيين والتي كان كاتب هذه السطور قد بادر بطرحها،لكنني أشير فقط إلى إنني بطرح هذه القضية كنت أرغب في اختبار مدى تعلم الزملاء البرلمانيين من خيبات الماضي، فإذا بهم ما يزالون يعيشون زمن الاستقواء والغرور وخداع النفس، فهم ما يزالون ينظرون إلى الجنوب كطرف مهزوم وأنهم هم المنتصرون عليه، بالرغم من أنهم هذه المرة دخلوا الجنوب هاربين ولم يدخلوه كغزاة كما فعلوا في العام 1994م واهم درس علمنا إياه زملاؤنا النواب أنهم ما يزالون ثابتين على عقلية 7/7 ولم يتغيروا ولن يتغيروا رغم الخيبات والكوارث التي حصدوها وجرعوا البلاد والعباد كؤوسها المرة.
* * *
في يوم واحد جرت مناقشة بيان الحكومة، والموازنة العامة للدولة بقطاعاتها المختلفة وموازنة السلطة المحلية، وجرى إقرار البيان الحكومي والبيان المالي الذي تضمن الموازنتين، ومنح المجلس حكومة الفساد والفشل الثقة لفترة لا أعلم إلى متى ستستمر.
في الحقيقة أنني أصبت بوعكة صحية مفاجئة أثناء مناقشة بيان الحكومة واعتذرت عن مواصلة الجلسة وتكفل أهلي بنقلي للعلاج، وهذا ما حرمني من حضور المناقشة وإبداء رأيي في موضوعات المناقشة، وأعرف أن من بين الزملاء النواب وقيادة المجلس من سيقول أن نشر كلامي هذا غير قانوني لأن مكانه هو قاعة المجلس، لكنني تفاجأت بإنهاء الجلسات وقرار السفر للجميع ولم يعد ممكنا مراجعة أي قضية ، وكنت أعلم مسبقا أن رأيي وآراء الزملاء الذين طالبوا بحجب الثقة عن الحكومة لن يغير في الأمر شيئا طالما ظلت الأغلبية بيد من لا يهمهم موضوع نجاح الحكومة أو فشلها ولا معاناة المواطن ولا الهزائم التي يتجرع الوطن والمواطن مراراتها.
* * *
ولآنني تغيبت عن الجزء الأكبر من النقاشات التي لم تدم أكثر من ثلاث ساعات فإنني أتساءل فقط:
هل سأل النواب رئيس الوزراء ووزير ماليته لماذا لم يدفعوا مرتبات الموظفين والعاملين والمتقاعدين العسكريين والمدنيين مرتباتهم الشهرية لمدة عام كامل وأكثر؟
وهل سألوا رئيس الوزراء ووزراءه لماذا تدهورت الخدمات الأساسية (الكهرباء، الماء، الوقود، الخدمة الطبية وغيرها) واقتربت من نقطة الصفر بل ووصلت إليها في بعض الخدمات رغم أن هاتين المهمتين كانتا الأساسيتين المسندتين للحكومة بموجب اتفاق الرياض؟
وهل سألوا رئيس الوزراء ووزير الدفاع لماذا تخلى جيشه عن فرضة نهم التي كانت على بعد مرمى مدفعية متوسطة من قصر الستين؟ ولماذا سلمت محافظات مأرب والجوف والبيضاء للقوات الحوثية، ولماذا لم تتحمس للدفاع عنها مثلما تحمست لاحتلال شبوة المحررة؟
وهل سألوا وزير الداخلية عن أسباب تنامي العمليات الإرهابية في العاصمة عدن وبقية المحافظات الجنوبية، وكيف يفسر غياب الإرهاب عن محافظات الشمال بما في ذلك ما تبقى تحت سيطرة الشرعية من مديريات تعز ومأرب والساحل الغربي؟ ولماذا جرى تهريب جماعة داعش من مدينة سيؤون مقر إقامة الوزير وما هي خططه لمكافحة الإرهاب وإحلال الأمن والاستقرار في مناطق الجنوب التي يقولون أنها محررة؟
هل سألوا وزير العدل لماذا جرى تعطيل المحاكم ووقف الإجراءات القضائية المعروفة سواء ما يتعلق منها بالقضايا الجنائية أو المدنية أو الحقوقية أو الجرائم الجسيمة وعلى رأسها جرائم الإرهاب؟
أسئلة كثيرة يمكن طرحها على الزملاء النواب، وأتوقع أن كثيرين منهم طرحوا بعضا مما طرحته أو كانوا يودون طرحه، وفي هذه الحالة يبرز السؤال الأهم:
على أي أساس منحتم هذه الحكومة ثقتكم؟
لماذا لم تسحبوا منها الثقة وتكلفوا مجلس الرئاسة بتشكيل حكومة جديدة بشروط جديدة وبرنامج عمل جديد؟
* * *
أعرف أن بعض المتحججين سيطرحون عشرات المبررات لفشل الحكومة، لكن المعلوم في كل الدنيا أن كل حكومة تخفق في وظيفة واحدة من وظائفها، (وليس بكل وظائفها كما هو حال هذه الحكومة الكارثة)، أو حتى تشعر بأن هناك ما يعرقل قيامها بمهماتها (كما قد يتحجج البعض)، أي حكومة في الدنيا كهذه تقدم استقالتها مباشرةً ولا يبقى وزراؤها متنقلين بين عواصم العالم وهم يعلمون أن القانون والدستور والشرع والأخلاق وكل أعراف الأرض تلزمهم بممارسة مهمة وظيفية أسندها لهم المجتمع ويدفع لهم مقابلها الملايين.
لقد حصلت الحكومة (الكارثة) على ثقة البرلمان (الذي تجاوز ضعف عمره منذ نحو أربع سنوات، ويستعد للاحتفال بتجاوز الضعف الثاني)، أقول حصلت الحكومة على هذه الثقة وهي لا تستحقها، ما يعني أن على رئيس الحكومة ووزرائها أن يناموا مطمئنين فلا أحد سيسألهم: لماذا لم تقوموا بواجباتكم، ولا مواطن يستطيع أن يصرخ ألماً أو احتجاجاً على فقدانه حقوقه، فالذين انتخبهم قبل نحو عقدين هم من فوضوا الحكومة بمواصلة فسادها وهم من أعفوها من المساءلة عن عدم قيامها بمسؤولياتها.
* * *
هكذا ستبدو الصورة للحكومة التي ربما كان بعض وزائها يشعرون بالقلق أو بتأنيب الضمير بسبب إحساسهم بالتقصير، لكن الصورة عند المواطن ستكون غير ذلك تماماً.
المواطن الذي يكتوي بنيران الغلاء ويتجرع مرارة العيش على الكفاف ويستقبل العيد بلا ملابس جديدة للأطفال وقد يقضي العيد بلا لحمة وربما بلا دجاجة مثلجة، والذي لم يتقاضى حقوقه الشهرية من مرتبات منذ نحو عام، هذا المواطن لن ينتظر طويلاً ولن يصبر أكثر مما صبر حتى خسر كل شيء، بل إنه قد ينفجر غضباً وسخطاً قبل حلول العيد عندما يشاهد الوزراء والنواب وقد تفرقوا إلى مختلف المدن والعواصم ليعيشوا أجمل الأيام بين أهلهم ومع أطفالهم وهو يموت فقراً وجوعاً وشطفاً وقهراً.
لقد أثبت برلمان 2003م أن المواطن لم يعد يعنيه ولا أمن الوطن يعنيه ولا استعادة السيادة وهزيمة المشروع الإيراني تشغل شواغله، وأنه رديفا لحكومة الفساد ولا يقل عنها فساداً إن لم يتفوق عليها، أما المواطن فما عليه إلا أن يتكل على الله ويستعيد سيادته وصوته وحريته من هذه الحكومة قبل أن يبحث عنها عند الانقلابيين وأتباع المشروع الإيراني، فهؤلاء قد كشفوا عن أنفسهم ولا يحتاج اكتشافهم إلى عبقرية استثنائية كما هو الحال عند الحكومة التي تتبجح باسم الوطن والمواطن وهي لا تغمل إلا ما يؤذي هذا الوطن وهذا المواطن.
ولله الأمر من قبل ومن بعد