بعكس الكثير من المواقف المتشددة أو المترددة أو الرافضة يمكنني التعبير عن الارتياح الشديد للبيان الصادر عن المبعوث الأممي السيد هانس جرودنبيرج حول الهدنة المفترض البدء بتطبيقها مساء الأمس ولمدة شهرين في الحرب اليمنية-اليمنية، بكل ما تضمنته من تفاصيل، حيث إن الهدنة وربما انتهاء الحرب إلى الأبد هي مصلحة للشعبين في الجنوب والشمال والذين ذاقا الأمرين ودفعا من الضريب ما يفوق قيمة هذاالنصرلشمال والجنوب على السواء.
لكن هذا الحماس لا يمكن أن يجعلنا نغفل الكثير من الأمور التي يمكن تلخيصها في النقاط الموجزة التالية:
- إن ما إعلن من قبل مندوب الأمين العام للأمم المتحدة هو نتاج مباحثات ووساطات غير معلنة استمرت أشهر كان لسلطنة عمان الشقيقة فيها دورا مهما لم يتم الإعلان عنه وكانت دول التحالف تتابع مجرياته وتشارك في الأخذ والعطاء مع مندوب الأمم المتحدة حتى خرج بالصيغة التي سمعناها وقرأناها.
- إن هذا الإعلان لا علاقة له بما يدور في دهاليز ما سمي بمؤتمر المشاورات اليمنية-اليمنية في الرياض، الذي دعت له الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، لأنه كما قلت حصيلة شهور من المباحثات والمفاوضات ما قبل الدعوة وربما التفكير بهذا المؤتمر، حتى وإن تزامن الإعلان عنه مع بدء أعمال مؤتمر الرياض.
- لقد جاءت موافقة الطرفين (الحوثيين والشرعيين) على هذا الإعلان لتعبر عن حاجة الطرفين معا لهدنة معينة، تستعيدان فيها الأنفاس، ويبدو أن الحوثيين قد يتخذون من هذا الإعلان محطة استراحة لإعادة تموضع قواتهم استعدادا لما بعد الشهرين وقد يخرقون الاتفاق بعد أيام من إعلانها.
- وتأكيدا لهذا علينا أن نتذكر أن هذا ليس الاتفاق الأول الذي يعقد مع الحوثيين، لكنهم كانوا يوقعون على الاتفاق ثم يذهبون للاستعداد لجولة قادمة من الحرب التي هي بالنسبة لهم الديدن الدائم وما السلام إلاّ حالات مؤقتة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأولويات، هذا حصل بعد كل توقف لحروب صعدة الست، وقد كان لكاتب هذه السطور مساهمة ضمن لجنة إيقاف إطلاق النار في حرب صعدة الرابعة التي ما لبثت الهدنة أن تبدأ حتى اندلعت الحرب الخامسة بعد أشهر فقط من توقيع اتفاق الدوحة حينها وهذا لا يعفي السلطات الرسمية حينها من المساهمة في إفشال كل مساعي التهدئة والحل، وهذا موضوع يمكن التوقف عنده في سياقه الخاص.
- وللجنوبيين الذين يتذمرون لعدم تعرض الإعلان للقضية الجنوبية أستطيع أن أقول أن محادثات مسقط كانت بين الشرعيين والحوثيين، ولم يكن المجلس الانتقالي الجنوبي، الحامل السياسي الحالي للقضية الجنوبية طرفا فيها، وهذا لا ينفي أن هناك رغبة جامحة لدى طرفي الاتفاق بتجاهل القضية الجنوبية والتصدي لأي صوت يتحدث عن الحق الجنوبي كما سار عليه الحال منذ العام 1994م.
لكن ما ينبغي إدراكه أن القضية الجنوبية قد ظلت حاضرة في كل المراحل كلما حاول الخصوم وأدها وتجاهلها، ولن ننسى أن مجرد الحديث عن الجنوب كان من المحرمات حتى وقت قريب لكن عدالة القضية ومشروعيتها وإباء واستبسال الشعب الجنوبي ورجاله الأبطال قد أفشل كل محاولة لوأد القضية أو تهميشها، وكما ماتت وانتهت كل محاولات الوأد والتهميش لهذه القضية ومات وانتهى مدبروها وحائكوها، ستلاقي كل المحاولات نفي المصير وربما أسوأ منه لأن أعداء الجنوب يمضون في عدهم التنازلي وتمضي القضية الجنوبية في وضعها التصاعدي أكثر ثباتاً ومتانةً وقوة رغم مكائد الكائدين ومكر الماكرين.
والله ولي التوفيق.